بما يكون من حسن شمائلهم وأفعالهم، والتشويق إليهم، كما يكون من جلالة أقدارهم، وزكاء خلالهم، ليكون ذلك داعيا للناس إلى القبول منهم، والانقياد لهم. وفي هذه الآية دلالة على تفضيل الأنبياء على الملائكة، عليهم أجمعين الصلاة والسلام، لأن العالمين يعم الملائكة وغيرهم من المخلوقين، وقد فضلهم سبحانه، واختارهم على الكل.
وقوله (ذرية) أي: أولادا وأعقابا (بعضها من بعض) قيل: معناه في التناصر في الدين، وهو الاسلام، أي: دين بعضها من دين بعض، كما قال: (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) أي: في التناصر والتعاضد على الضلال، وهو قول الحسن وقتادة. وقيل: بعضها من بعض في التناسل والتوالد، فإنهم ذرية آدم، ثم ذرية نوح، ثم ذرية إبراهيم، وهو المروي عن أبي عبد الله " عليه السلام "، لأنه قال الذين اصطفاهم الله بعضهم من نسل بعض، واختاره أبو علي الجبائي.
(والله سميع عليم) فيه قولان أحدهما: إن معناه سميع لما تقوله الذرية عليم بما يضمرونه، فلذلك فضلهم على غيرهم لما في معلومه من استقامتهم في أقوالهم وأفعالهم والثاني: إن معناه سميع لما تقوله امرأة عمران من النذر، عليم بما تضمره.
ونبه بذلك على استحسان ذلك منها.
النظم: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه لما وقعت المنازعة في إبراهيم وعيسى، واختلف أقوال النصارى واليهود فيهما، بين تعالى أن من أطاع الرسول قال فيهما ما يقوله هو. وقيل: إنه لما أمر بطاعة نبيه " صلى الله عليه وآله وسلم "، وأبى ذلك المشركون، بين تعالى أنه كما اصطفاءه لرسالته، اصطفى من قبله من الأنبياء، فلا وجه لإنكارهم رسالته.
(إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم [35] فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر، كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من لشيطان الرحيم [36]).
القراءة: قرأ ابن عامر وأبو بكر، عن عاصم ويعقوب: (بما وضعت) بضم