النزول: لما أمر رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " بالخروج إلى أحد، قعد عنه جماعة من المنافقين، واتبعه المؤمنون. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المعنى: لما بين تعالى أن كل نفس توفى جزاء ما كسبت من خير وشر، عقبه ببيان من كسب الخير والشر، فقال: (أفمن اتبع رضوان الله) وفيه أقوال أحدها: إن معناه أفمن اتبع رضوان الله في العمل بطاعته كمن باء بسخط منه في العمل بمعصيته، عن ابن إسحاق. وثانيها: أفمن اتبع رضوان الله في ترك الغلول، كمن باء بسخط من الله في فعل الغلول، عن الحسن والضحاك، واختاره الطبري لأنه أشبه بما تقدم وثالثها: أفمن اتبع رضوان الله بالجهاد في سبيله (كمن باء بسخط من الله) في الفرار منه، رغبة عنه، عن الزجاج والجبائي. وهذا الوجه يطابق ما سبق ذكره من سبب النزول (ومأواه جهنم) أي: مصيره ومرجعه جهنم (وبئس المصير) أي:
المكان الذي صار إليه والمستقر. والآية استفهام، والمراد به التقرير. والفرق بين الفريقين أي: ليس من اتبع رضوان الله أي: رضاءه، كمن باء بسخطه (هم درجات) أي: هم ذوو درجات (عند الله) فالمؤمنون ذوو درجة رفيعة، والكافرون ذوو درجة خسيسة. وقيل في معناه قولان أحدهما: إن المراد اختلاف مرتبتي أهل الثواب والعقاب بما لهؤلاء من النعيم والكرامة، ولأولئك من العقاب والمهانة. وعبر عن ذلك بدرجات مجازا وتوسعا والثاني: إن المراد اختلاف مراتب كل من الفريقين، فإن الجنة طبقات، بعضها أعلى من بعض، كما جاء في الخبر: " إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى النجم في أفق السماء ". والنار دركات، بعضها أسفل من بعض، ومثله في حذف المضاف قول ابن هرمة أنشده سيبويه:
أنصب للمنية تعتريهم * رجالي، أم هم درج السيول (1) أي: هم ذوو درج (والله بصير بما يعملون) أي: عليم. وفي هذا ترغيب للناس في اتباع مرضاة الله تعالى، وتحذيرهم عما يوجب سخطه، وإعلام بأن أسرار العباد عنده علانية. وفيه توثيق بأنه لا يضيع عمل عامل لديه، إذ لا يخفى شئ من ذلك عليه، فيثيب على الطاعة، ويعاقب على المعصية.
(لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم