وثلاثين بدنة، وأمر رسول الله أن يأخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم، ثم تطرح في برمة (1)، ثم تطبخ. فأكل رسول الله منها وعلي، وتحسيا من مرقها، ولم يعط الجزارين جلودها، ولا جلالها، ولا قلائدها. وتصدق به، وحلق وزار البيت، ورجع إلى منى فأقام بها حتى كان يوم الثالث من آخر أيام التشريق. ثم رمى الجمار، ونفر حتى انتهى إلى الأبطح فقالت عائشة: يا رسول الله! ترجع نساؤك بحجة وعمرة معا، وأرجع بحجة. فأقام بالأبطح، وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فأهلت بعمرة، ثم جاءت فطافت بالبيت، وصلت ركعتين عند مقام إبراهيم، وسعت بين الصفا والمروة، ثم أتت النبي، فارتحل من يومه، فلم يدخل المسجد، ولم يطف بالبيت، ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفل مكة من ذي طوى.
(الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب [197]).
القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (فلا رفث ولا فسوق) بالرفع، (ولا جدال) بالفتح. وقرأ أبو جعفر جميع ذلك بالرفع والتنوين. وقرأ الباقون، الجميع بالفتح.
الحجة: حجة من فتح الجميع أن يقول: إنه أشد مطابقة للمعنى المقصود.
ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: لا ريب، فقد نفى جميع هذا الجنس. فإذا رفع ونون، فكأن النفي لواحد منه، ألا ترى أن سيبويه يرى أنه إذا قال: لا غلام عندك، ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: أغلام عندك أم جارية؟ فالفتح أولى، لأن النفي قد عم، والمعنى عليه. وحجة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس المنفي رفثا واحدا، ولكنه جميع ضروبه، وأن النفي قد يقع فيه الواحد موقع الجميع، وإن لم يبن فيه الاسم مع لا نحو: ما رجل في الدار.