الإحياء والإماتة بيد الله سبحانه، فلا حياة لمن قدر الله موته، ولا موت لمن قدر الله حياته (والله بما تعملون بصير) أي: مبصر. وقيل: عليم. وهذا يتضمن الترغيب في الطاعة، والترهيب عن المعصية.
ثم حث سبحانه على الجهاد، وبين أن الشهادة خير من أموال الدنيا المستفادة بأن قال: (ولئن قتلتم) أيها المؤمنون (في سبيل الله) أي: في الجهاد (أو متم) قاصدين مجاهدة الكفار، استوجبتم (مغفرة من الله ورحمة) والمغفرة: الصفح عن الذنوب. والرحمة: الثواب والجنة. وهاتان (خير مما يجمعون) من الأموال والمقاصد الدنيوية. وهذا يتضمن تعزية المؤمنين وتسليتهم عما أصابهم في سبيل الله. وفيه تقوية لقلوبهم، وتهوين للموت والقتل عليهم.
ثم قال: (ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) أي: سواء متم، أو قتلتم، فإن مرجعكم إلى الله، فيجزي كلا منكم كما يستحقه المحسن على إحسانه، والمسئ على إساءته، فآثروا ما يقربكم منه، ويوجب لكم رضاه من العمل بطاعته، والجهاد في سبيله، ولا تركنوا إلى الدنيا. وفي هذا المعنى البيت الذي ينسب إلى الإمام الحسين بن علي:
فإن تكن الأبدان للموت أنشئت، * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل (سؤال): إن قيل كيف عادل بين مغفرة الله ورحمته، وبين حطام الدنيا، مع تفاوت ما بينهما، ولا يقول أحد الدرة خير من البعرة؟ (فجوابه): إن الناس يؤثرون الدنيا على الآخرة حتى إنهم يتركون الجهاد في سبيل الله، محبة للاستكثار من الدنيا، وإيثارا للمقام فيها، فعلى هذا جاز ذلك.
(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين [159]).
اللغة: (الفظ الغليظ) الجافي القاسي القلب. يقال منه: فظظت تفظ فظاظة، وأنت فظ على وزن فعل، إلا أنه أدغم كصب. والفظاظة: خشونة الكلام.
والافتظاظ: شرب ماء الكرش لجفائه على الطبائع، فإن أصل الفظاظة: الجفوة.