السدي. فسهمهم زكريا وقرعهم وكان رأس الأحبار ونبيهم، فذلك قوله: (وكفلها زكريا).
وزكريا كان من ولد سليمان بن داود وفيه ثلاث لغات: المد والقصر وزكري مشدد. قالوا: فلما ضم زكريا مريم إلي نفسه، بنى لها بيتا، واسترضع لها، فقال محمد بن إسحاق: ضمها إلى خالتها أم يحيى، حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء، بنى لها محرابا في المسجد، وجعل بابه في وسطها، لا يرقى إليها إلا بسلم مثل باب الكعبة، ولا يصعد إليها غيره. وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير حينها، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، غضا طريا، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي. وقيل: إنها لم ترضع قط، وإنما كان يأتيها رزقها من الجنة عن الحسن.
(قال يا مريم أنى لك هذا) يعني: قال لها زكريا: كيف لك؟ ومن أين لك هذا؟ كالمتعجب منه (قالت هو من عند الله) أي: من الجنة. وهذه تكرمة من الله تعالى لها، وإن كان ذلك خارقا للعادة، فإن عندنا يجوز أن تظهر الآيات الخارقة للعادة على غير الأنبياء من الأولياء والأصفياء، ومن منع ذلك من المعتزلة قالوا فيه قولين أحدهما: إن ذلك كان تأسيسا لنبوة عيسى، عن البلخي والآخر: إنه كان بدعاء زكريا لها بالرزق في الجملة، وكانت معجزة له، عن الجبائي (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) تقدم تفسيره.
النظم: ووجه اتصالها بما تقدم أن يكون حكاية لقول مريم. وعلى هذا يكون معنى قوله (بغير حساب) الاستحقاق على العمل، لأنه تفضل يبتدئ به من يشاء من خلقه. ويحتمل أن يكون إخبارا من الله تعالى على الاستئناف.
(هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء [38] فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين [39]).
القراءة: قرأ أهل الكوفة، غير عاصم: (فناداه الملائكة) على التذكير والإمالة. والباقون: (فنادته) على التأنيث. وقرأ ابن عامر وحمزة: (إن الله)