ولذلك قال " عليه السلام ": موضع سوط في الجنة، خير من الدنيا وما فيها. وفيها دلالة على أن كل حي سيموت، ولولا ورود السمع بذلك، لكان يجوز في العقل أن يتصل حياتهم إلى وقت المجازاة. وإذا قيل: أليس من قولكم لا بد من القطع بين حال التكليف، وحال المجازاة؟ فجوابه: إن ذلك القطع كان يجوز أن يحصل مع بقاء الحياة. وفيها دلالة على أن المقتول يحصل فيه الموت. وقد اختلف في الموت قول أبي علي، وأبي هاشم، فعند أبي علي: الموت معنى يضاد الحياة. وعند أبي هاشم: عدم الحياة. فعلى كلا المذهبين يجوز حصوله في المقتول.
(* لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور [186]).
الاعراب: اللام في قوله (لتبلون): لام التأكيد، وفيه معنى القسم. والنون.
تأكيد للقسم. وإنما ضمت الواو في (لتبلون) ولم تكسر لالتقاء الساكنين، لأنها واو الضمير، حركت بما كان يجب لما قبلها من الضم ومثله: (اشتروا الضلالة بالهدى). ولو كانت الواو حرف الإعراب لفتحت نحو هل تغزون زيدا.
النزول: نزلت الآية في كعب بن الأشرف، وكان يهجو النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " والمؤمنين، ويحرض المشركين عليهم، ويشبب (1) بنساء المسلمين، فقال " صلى الله عليه وآله وسلم ":
" من لي بابن الأشرف "؟ فقال محمد بن سلمة: أنا يا رسول الله. فخرج هو وأبو نائلة مع جماعة فقتلوه غيلة، وأتوا برأسه إلى النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " آخر الليل، وهو قائم يصلي، عن الزهري. وقيل: نزلت في فنحاص اليهودي، سيد بني قينقاع، لما بعث رسول الله أبا بكر إليه ليستمده، وكتب إليه كتابا. فلما قرأه قال: قد احتاج ربكم إلى أن نمده! فهتم أبو بكر بضربه، ثم ذكر قول النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ".: (لا تفتاتن بشئ حتى ترجع " (2). فكف عنه، عن عكرمة ومقاتل.
المعنى: ثم بين تعالى أن الدنيا دار محنة وابتلاء، وأنها إنما زويت عن