على الأديان كلها. (فإن انتهوا) أي: امتنعوا من الكفر، وأذعنوا للاسلام. (فلا عدوان إلا على الظالمين) أي: فلا عقوبة عليهم، وإنما العقوبة بالقتل على الكافرين المقيمين على الكفر، فسمي القتل عدوانا من حيث كان عقوبة على العدوان، وهو الظلم، كما قال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه)، و (جزاء سيئة سيئة مثلها)، و (إن عاقبتم فعاقبوا)، وحسن ذلك لازدواج الكلام. والمزاوجة هنا إنما حصلت في المعنى، لأن التقدير: فإن انتهوا عن العدوان، فلا عدوان إلا على الظالمين، وهذا الوجه مروي عن قتادة والربيع وعكرمة. وقيل: معنى العدوان الابتداء بالقتال، عن مجاهد والسدي.
وهذه الآية ناسخة للأولى التي تضمنت النهي عن القتال في المسجد الحرام، حتى يبدأوا بالقتال فيه، لأن فيها إيجاب قتالهم على كل حال، حتى يدخلوا في الاسلام، عن الحسن والجبائي. وعلى ما ذكرناه في الآية الأولى، عن ابن عباس، أنها غير منسوخة، فلا تكون هذه الآية ناسخة، بل تكون مؤكدة. وقيل: بل المراد بها أنهم إذا ابتدأوا بالقتال في الحرم، يجب مقاتلتهم حتى يزول الكفر.
(الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين [194]).
اللغة: إنما سمي الشهر الحرام: لأنه يحرم فيه ما يحل في غيره من القتال ونحوه. والحرمات: جمع حرمة، وهي ما يجب حفظه، ويحرم هتكه. والحرام هو القبيح الممنوع من فعله. والحلال: المطلق المأذون فيه. والقصاص: الأخذ للمظلوم من الظالم من أجل ظلمه إياه. واعتدى عليه وعدي عليه، بمعنى. مثل قرب واقترب، وجلب واجتلب. وقيل: إن في افتعل مبالغة ليست في فعل.
المعنى: ثم بين الله تعالى القتال في الشهر الحرام فقال: (الشهر الحرام بالشهر الحرام) المراد بها ها هنا ذو القعدة، وهو شهر الصد عام الحديبية، والأشهر الحرم أربعة ثلاثة سرد (1): ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وواحد فرد وهو رجب، كانوا يحرمون فيها القتال حتى لو أن رجلا لقي قاتل أبيه، أو أخيه، لم