المعنى: لما تقدم النهي عن اتخاذ الكفار أولياء، خوفوا من الابطان بخلاف الإظهار فيما نهوا عنه، فقال سبحانه (قل) يا محمد (إن تخفوا) أي: إن تستروا (ما في صدوركم) يعني ما في قلوبكم. وإنما ذكر الصدر لأنه محل القلب. (أو تبدوه) أي: تظهروه (يعلمه الله) فلا ينفعكم إخفاؤه، (و) هو مع ذلك (يعلم ما في السماوات وما في الأرض). وإنما قال ذلك ليذكر بمعلوماته على التفصيل، فيتم التحذير. إذ كان من يعلم ما في السماوات وما في الأرض على التفصيل، يعلم الضمير. (والله على كل شئ قدير) فيقدر على أخذكم ومجازاتكم.
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد [30]).
اللغة: الأمد.: الغاية التي ينتهى إليها. قال النابغة:
إلا لمثلك، أو من أنت سابقه * سبق الجواد إذا استولى على الأمد الاعراب: في انتصاب (يوم) وجوه أحدها: إنه منصوب بيحذركم أي:
يحذركم الله نفسه يوم تجد والثاني: بالمصير تقديره: إلى الله المصير يوم تجد والثالث: اذكر يوم تجد. وقوله: (ما علمت) ما هاهنا بمعنى الذي، لأنه عمل فيه (تجد)، فهي في موضع نصب. ويحتمل أن يكون مع ما بعدها بمعنى المصدر، وتقديره: يوم تجد كل نفس عملها بمعنى جزاء عملها. (محضرا): منصوب على الحال من (تجد) إذا جعلته من الوجدان. فإن جعلته من العلم، فهو مفعول ثان.
وقوله: (وما عملت من سوء) يصلح فيها معنى الذي، ويقويه قوله: (تود) بالرفع، ولو كان بمعنى الجزاء لكان (تود) مفتوحا أو مكسورا. والرفع جائز على ضعف. وأقول: إن جواب (لو) هنا محذوف، وتقدير الكلام: تود أن بينها وبينه أمدا بعيدا لو ثبت ذلك، لأن (لو) يقتضي الفعل، ولا يدخل على الاسم، وأن مع اسمه وخبره بمنزلة مصدر، فيكون تقديره: لو ثبت أن بينها وبينه أمدا بعيدا. فيكون في ذكر فاعل الفعل المقدر بعد (لو) دلالة على مفعول (تود) المحذوف. وفي لفظ (تود) دلالة على جواب (لو). هذا مما سنح لي الآن، وهو واضح بحمد الله تعالى، ومنه.
المعنى: لما حذر العقاب في الآية المتقدمة، بين وقت العقاب، فقال: (يوم