فهبط واشتعل الجبل نورا، فجمعت له الحواريين، فبثهم في الأرض دعاة، ثم رفعه الله سبحانه. وتلك الليلة هي الليلة التي تدخن فيها النصارى.
فلما أصبح الحواريون، حدث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى " عليه السلام " إليهم فذلك قوله تعالى: (ومكروا ومكر الله) أي: أفضل المعاونين. وقيل: أنصف الماكرين وأعدلهم، لأن مكرهم ظلم، ومكره عدل وإنصاف. وإنما أضاف الله المكر إلى نفسه على مزاوجة الكلام، كما قال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) والثاني ليس باعتداء، وإنما هو جزاء. وهذا أحد وجوه البلاغة كالمجانسة، والمطابقة، والمقابلة. فالمجانسة كقوله: (تتقلب فيه القلوب والأبصار). والمطابقة كقوله: (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) بالنصب على مطابقة السؤال. والمقابلة نحو قوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة).
(إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون [55]).
الاعراب: العامل في (إذ) قوله (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) إذ قال. ويحتمل أن يكون تقديره ذاك إذ قال الله، وتمثيله ذاك واقع إذ قال الله، ثم حذفت واقع، وهو العامل في (إذ) وأقيمت (إذ) مقامه. و (عيسى): في موضع الضم لأنه منادى مفرد، لكن لا يتبين فيه الإعراب، لأنه منقوص، وهو لا ينصرف لاجتماع العجمة والتعريف.
المعنى لما بين سبحانه ما هم به قوم عيسى من المكر به وقتله، عقبه بما أنعم عليه من لطف التدبير، وحسن التقدير فقال: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك) وقيل في معناه أقوال أحدها: إن المراد به: إني قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة بموت، عن الحسن وكعب وابن جريج وابن زيد والكلبي وغيرهم. وعلى هذا القول يكون للمتوفى تأويلان أحدهما: إني رافعك إلي وافيا، لم ينالوا منك شيئا. من قولهم: توفيت كذا واستوفيته أي: أخذته تاما والآخر: إني