منكم، وإن اختاروهم فأجلوهم، عن ابن عباس.
المعنى: لما تقدم ذكر اختلاف الأمم، وأنه لو شاء الله لأكرههم على الدين، ثم بين تعالى دين الحق والتوحيد، عقبه بأن الحق قد ظهر، والعبد قد خير فلا إكراه بقوله: (لا إكراه في الدين) وفيه عدة أقوال أحدها: إنه في أهل الكتاب خاصة، الذين يؤخذ منهم الجزية، عن الحسن وقتادة والضحاك. وثانيها: إنه في جميع الكفار، ثم نسخ كما تقدم ذكره، عن السدي، وغيره وثالثها: إن المراد: لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب إنه دخل مكرها، لأنه إذا رضي بعد الحرب، وصح إسلامه، فليس بمكره، عن الزجاج. ورابعها: إنها نزلت في قوم خاص من الأنصار كما ذكرناه في النزول، عن ابن عباس وغيره. وخامسها: إن المراد ليس في الدين إكراه من الله، ولكن العبد مخير فيه، لأن ما هو دين في الحقيقة، هو من أفعال القلوب، إذا فعل لوجه وجوبه. فأما ما يكره عليه من إظهار الشهادتين، فليس بدين حقيقة، كما أن من أكره على كلمة الكفر، لم يكن كافرا. والمراد الدين المعروف، وهو الاسلام، ودين الله الذي ارتضاه.
(قد تبين الرشد من الغي): قد ظهر الإيمان من الكفر، والحق من الباطل بكثرة الحجج، والآيات الدالة، عقلا وسمعا، والمعجزات التي ظهرت على يد النبي. (فمن يكفر بالطاغوت) فيه أقوال أحدها: إنه الشيطان، عن مجاهد وقتادة، وهو المروي عن أبي عبد الله. وثانيها: إنه الكاهن، عن سعيد بن جبير. وثالثها:
إنه الساحر، عن أبي العالية ورابعها: إنه مردة الجن والإنس، وكلما يطغي.
وخامسها: إنه الأصنام، وما عبد من دون الله. وعلى الجملة فالمراد من كفر بما خالف أمر الله.
(ويؤمن بالله) أي: يصدق بالله، وبما جاءت به رسله (فقد استمسك) أي:
تمسك واعتصم (بالعروة الوثقى) أي: بالعصمة الوثيقة، وعقد لنفسه من الدين عقدا وثيقا لا يحله شبهة، وعن مجاهد: هو الإيمان بالله ورسوله، وجرى هذه مجرى المثل لحسن البيان باخراج ما لا يقع به الإحساس إلى ما يقع به. (لا انفصام لها) أي: لا انقطاع لها، يعني: كما لا ينقطع أمر من تمسك بالعروة، كذلك لا ينقطع أمر من تمسك بالإيمان. (والله سميع) لأقوالكم (عليم) بضمائركم.
(الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين