(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة) عذابهم في الدنيا: إذلالهم بالقتل والأسر والسبي والخسف والجزية، وكل ما فعل على وجه الاستخفاف والإهانة. وفي الآخرة: عذاب الأبد في النار (وما لهم من ناصرين) أي: أعوان يدفعون عنهم عذاب الله تعالى. (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم) أي: يوفر عليهم، ويتمم (أجورهم) أي: جزاء أعمالهم (والله لا يحب الظالمين) أي: لا يريد تعظيمهم وإثابتهم، ولا يرحمهم، ولا يثني عليهم. وهذه الآية حجة على من قال بالإحباط لأنه سبحانه وعد بتوفير الأجر، وهو الثواب.
والتوفية منافية للإحباط (ذلك) إشارة إلى الإخبار عن عيسى وزكريا ويحيى وغيرهم (نتلوه عليك) نقرأه عليك، ونكلمك به. وقيل: نأمر جبرائيل أن يتلوه عليك، عن الجبائي (من الآيات) أي: من جملة الآيات والحجج الدالة على صدق نبوتك، إذا علمتهم بما لا يعلمه إلا قارئ كتاب، أو معلم، ولست بواحد منها، فلم يبق إلا أنك عرفته من طريق الحي (والذكر الحكيم) القرآن المحكم. وإنما وصفه بأنه حكيم لأنه بما فيه من الحكمة، كأنه ينطق بالحكمة، كما تسمى الدلالة دليلا، لأنها بما فيها من البيان، كأنها تنطق بالبيان والبرهان، وإن كان الدليل في الحقيقة هو الدال.
(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [59] الحق من ربك فلا تكن من الممترين [60] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكافرين [61]).
اللغة: المثل: ذكر سائر يدل على أن سبيل الثاني، سبيل الأول. وتعالوا:
أصله من العلو يقال: تعاليت أتعالى أي: جئت. وأصله: المجئ إلى ارتفاع، إلا أنه كثر في الاستعمال حتى صار بمعنى هلم. وقيل في الابتهال قولان أحدهما: إنه بمعنى الالتعان. وافتعلوا بمعنى تفاعلوا، كقولهم: اشتوروا بمعنى تشاوروا. بهله الله أي: لعنه الله. وعليه بهلة الله أي: لعنة الله والآخر: إنه بمعنى الدعاء بالهلاك. قال لبيد: " نظر الدهر إليهم فابتهل " أي دعا عليهم بالهلاك. فالبهل كاللعن وهو المباعدة عن رحمة الله عقابا على معصيته، ولذلك لا يجوز أن يلعن من