الشهادة مع علمه بالمشهود به، وعدم ارتيابه فيه، وتمكنه من أدائها من غير ضرر بعد ما دعي إلى إقامتها (فإنه آثم قلبه) أضاف الإثم إلى القلب، وإن كان الآثم هو الجملة، لأن اكتساب الإثم بكتمان الشهادة يقع بالقلب، لأن العزم على الكتمان إنما يقع بالقلب، ولأن إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذم، كما أن إضافة الإيمان إلى القلب أبلغ في المدح. قال تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان).
(والله بما تعملون) أي: ما تسرونه، وتكتمونه (عليم). وروي عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " لا ينقضي (1) كلام شاهد زور من بين يدي الحاكم، حتى يتبوأ مقعده من النار " وكذلك من كتم الشهادة. وفي قوله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضا) دلالة على أن الإشهاد والكتابة في المداينة، ليسا بواجبين، وإنما هو على ، سبيل الاحتياط. وتضمنت هذه الآية وما قبلها من بدائع لطف الله تعالى، ونظره لعباده في أمر معاشهم، ومعادهم، وتعليمهم ما لا يسعهم جهله، ما فيه بصيرة لمن تبصر، وكفاية لمن تفكر.
(لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير [284]).
القراءة: قرأ ابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب: (فيغفر، ويعذب) بالرفع.
وقرأ الباقون بالجزم فيهما.
الحجة: قال أبو علي: وجه قول من جزم أنه أتبعه ما قبله، ولم يقطعه منه، وهذا أشبه بما عليه كلامهم. ألا ترى أنهم يطلبون المشاكلة، ويلزمونها. فمن ذلك: إن ما كان معطوفا على جملة من فعل وفاعل، واشتغل عن الاسم الذي من الجملة التي يعطف عليها الفعل، يختار فيه النصب ولو لم يكن قبله الفعل والفاعل لاختاروا الرفع. وعلى هذا ما جاء في التنزيل نحو قوله: (وكلا ضربنا له الأمثال)، وقوله: (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) فكذلك ينبغي أن يكون الجزم أحسن ليكون مشاكلا لما قبله في اللفظ، وهذا النحو من طلبهم المشاكلة كثير. ومن