سائر الفقهاء يجوز في سائر المساجد، إلا أن مالكا قال: إنه يختص بالجامع، ولا يصح الإعتكاف عندنا إلا بصوم، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وعند الشافعي يصح بغير صوم. وعندنا لا يكون إلا في ثلاثة أيام، وعند أبي حنيفة يوم واحد، وعند مالك عشرة أيام لا يجوز أقل منه. وعند الشافعي ما شاء، ولو ساعة واحدة. وفي الآية دلالة على تحريم المباشرة في الإعتكاف ليلا ونهارا، لأنه علق المباشرة بحال الاعتكاف.
وقوله: (تلك حدود الله) تلك إشارة إلى الأحكام المذكورة في الآية (حدود الله) حرمات الله، عن الحسن. وقيل: معناه معاصي الله عن الضحاك. وقيل: ما منع الله منه، عن الزجاج. (فلا تقربوها) أي: فلا تأتوها. وقيل: معناه تلك فرائض الله فلا تقربوها بالمخالفة (كذلك) أي: مثل هذا البيان الذي ذكر (يبين الله آياته للناس) أي: حججه وأدلته على ما أمرهم به، ونهاهم عنه (لعلهم يتقون) أي: لكي يتقوا معاصيه، وتعدي حدوده فيما أمرهم به، ونهاهم عنه، وأباحهم إياها. وفي هذا دلالة على أن الله تعالى أراد التقوى من جميع الناس.
(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون [188]).
اللغة: الباطل: الذاهب الزائل، يقال: بطل إذا ذهب. وقيل: الباطل هو ما تعلق بالشئ على خلاف ما هو به، خبرا كان أو اعتقادا أو ظنا أو تخيلا. والحكم هو الذي يفصل بين الخصمين، يمنع كل واحد من منازعة الآخر. ويقال: أدلى فلان بحجته إذا أقامها، وهو من قولهم أدليت الدلو في البئر إذا أرسلتها. ودلوتها إذا أخرجتها، فمعنى قولهم أدلى بحجته: أرسلها، وأتى بها على صحة. وفي تشبيه الخصومة بإرسال الدلو في البئر وجهان أحدهما: إنه تعلق بسبب الحكم، كتعلق الدلو بالسبب الذي هو الحبل الثاني: إنه يمضي فيه من غير تثبيت، كمضي الدلو في الإرسال من غير تثبيت. والفريق: القطيعة المعزولة من الجملة سواء كان من الناس، أو من غيرهم. والإثم: الفعل الذي يستحق به الذم.
الاعراب: (وتدلوا): محله جزم على النهي عطفا على قوله (ولا تأكلوا).
ويحتمل أن يكون نصبا على الظرف، ويكون نصبه بإضمار (أن) كقول الشاعر: