إن الله تعالى قد ملك عباده في الدنيا أمورا، وجعل لهم تصرفا، ويزول جميع ذلك في الآخرة، ويرجع إليه كله، كما قال: (لمن الملك اليوم). وفي وقوع المظهر موقع المضمر في قوله (وإلى الله ترجع الأمور) قولان أحدهما: ليكون كل واحد من الكلامين مكتفيا بنفسه والاخر: ليكون أفخم في الذكر والموضع موضع التفخيم، وليس كقول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شئ نغص الموت ذا الغنى، والفقيرا لان البيت مفتقر إلى الضمير. والآية مستغنية عنه.
(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن من أهل الكتب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110)).
المعنى: لما تقدم ذكر الأمر والنهي، عقبه تعالى بذكر من تصدى للقيام بذلك، ومدحهم ترغيبا في الاقتداء بهم، فقال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قيل فيه أقوال أحدها: إن معناه أنتم خير أمة، وإنما قال (كنتم) لتقدم البشارة لهم في الكتب الماضية، عن الحسن، ويعضده ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " أنتم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله " وثانيها: إن المراد كنتم خير أمة عند الله في اللوح المحفوظ، عن الفراء والزجاج. وثالثها: إن كا هاهنا تامة. و (خير أمة): نصب على الحال، ومعناه: وجدتم خير أمة، وخلقتم خير أمة ورابعها: إن كان مزيدة دخولها كخروجها، إلا أن فيها تأكيدا لوقوع الامر لا محالة، لأنه بمنزلة ما قد كان في الحقيقة، فهي بمنزلة قوله تعالى: (واذكروا إذ أنتم قليل). وفي مواضع آخر: (إذ كنتم قليلا فكثركم) ونظيره قوله: (وكان الله غفورا رحيما) لأنه مغفرته المستأنفة كالماضية في تحقيق الوقوع وخامسها: إن كان بمعنى صار، كما في قول الشاعر:
فخر على الآلاء توسدته، وقد كان الدماء له خمارا (1)