ثم سألوه أن يأتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم، لأنه لو كان كذا، لكانوا قد زكوا أنفسهم، وشهدوا بأنهم استوجبوا كرامة الله. ولا يليق ذلك بصفة أهل الفضل من المؤمنين.
والرابع: إنهم إنما سألوا ذلك على وجه الرغبة منهم إلى الله، في أن يؤتيهم ما وعدهم من النصر على أعدائهم من أهل الكفر، وإعلاء كلمة الحق على الباطل، ليعجل ذلك لهم. لأنه لا يجوز أن يكونوا مع ما وصفهم الله به غير واثقين، ولا على غير يقين أن الله لا يخلف الميعاد، فرغبوا إليه في تعجيل ذلك. ولكنهم كانوا وعدوا النصر، ولم يوقت لهم في ذلك وقت، فرغبوا إليه في تعجيل ذلك لهم، لما لهم في ذلك من السرور بالظفر، وهو اختيار الطبري، وقال: الآية مختصة بمن هاجر من أصحاب النبي الذين رغبوا في تعجيل النصرة على أعدائهم، وقالوا: لا صبر لنا على أناتك وحلمك. وقوي ذلك بما بعد هذه الآية من قوله (فاستجاب لهم ربهم) الآيات. وإلى هذا أومى أبو القاسم البلخي أيضا.
(فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب [195]).
القراءة: قرأ حمزة، والكسائي وخلف: (وقتلوا وقاتلوا) بتقديم الفعل المبني للمفعول به على الفعل المبني للفاعل، والتخفيف. وقرأ الباقون بتقديم (قاتلوا) على (قتلوا). وشدد التاء من (قتلوا) ابن كثير وابن عامر.
الحجة: أما تقديم (قاتلوا) على (قتلوا) فلأن القتال قبل القتل، وحسن التشديد لتكرر الفعل، فهو مثل: (مفتحة لهم الأبواب). ومن خفف (قتلوا) فلأن فعلوا يقع على الكثير والقليل، والتشديد يختص بالكثير. وأما تقديم (قتلوا) على (قاتلوا) فلأن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى، وإن كان مؤخرا في اللفظ. ويمكن أن الوجه فيه أن يكون لما قتل منهم قاتلوا ولم يهنوا ولم يضعفوا للقتل الذي وقع بهم كقوله (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله).