فيما جاء به (أنفقوا مما رزقناكم) قيل أراد به الفرض كالزكاة ونحوها، دون النفل، لاقتران الوعيد به، عن الحسن، ولأن ظاهر الأمر يقتضي الإيجاب. وقيل: يدخل فيه النفل والفرض، عن ابن جريج، واختاره البلخي، وهو الأقوى لأنه أعم، ولأن الآية ليس فيها وعيد على ترك النفقة، وإنما فيها اخبار عن عظم أهوال يوم القيامة وشدائدها (من قبل أن يأتي يوم) أي: يوم القيامة (لا بيع فيه) أي: لا تجارة (ولا خلة) أي: ولا صداقة، لأنهم بالمعاصي يصيرون أعداء. وقيل: لأن شغله بنفسه يمنع من صداقة غيره، وهذه كقوله (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين). (ولا شفاعة) أي: لغير المؤمنين مطلقا. فأما المؤمنون فقد يشفع بعضهم لبعض، ويشفع لهم أنبياؤهم، كما قال سبحانه (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، و (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه). (والكافرون هم الظالمون) إنما ذم الله الكافر بالظلم، وإن كان الكفر أعظم منه لأمرين:
أحدهما: الدلالة على أن الكافر ضر نفسه بالخلود في النار فقد ظلم نفسه.
والآخر: إنه لما نفى البيع في ذلك اليوم، والخلة والشفاعة، وأخبر أنه قد حرم الكافر هذه الأمور، قال: وليس ذلك بظلم منا، بل الكافرون هم الظالمون، لأنهم عملوا بأنفسهم ما استحقوا به حرمان هذه الأمور. ووجه آخر في (1) تخصيص الكافر بالظلم، وهو أن ظلم الكافر هو غاية الظلم، وليس يبلغ ظلم المؤمنين لأنفسهم وغيرهم مبلغ ظلم الكافرين، ونظيره قول القائل: فلان هو الفقيه في البلد، وفلان هو الفاضل، ويراد به تقدمه على غيره فيما أضيف إليه.
(الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم [255]).
آيتان بصري، وآية واحدة عند غيرهم عد البصري الحي القيوم آية.
فضل الآية: ذكر ابن انجويه الفسوي في كتاب الترغيب بإسناد متصل عن