المسارعة إلى الكفر، وإذا كان ذلك قد خلقه فيهم، فكيف يصح نسبته إليهم؟
ثم استأنف تعالى الإخبار بان من اشترى الكفر بالإيمان، وهم جميع الكفار بهذه الصفة فقال: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان) أي: استبدلوا الكفر بالإيمان، وقد بينا فيما تقدم أن إطلاق لفظ الشراء على ذلك مجاز وتوسع، وإنما شبه استبدالهم الكفر بالإيمان بشراء السلعة بالثمن (لن يضروا الله شيئا) إنما هذا لأنه إنما ذكر ذلك في الآية الأولى على طريقة العلة لما يجب من التسلية عن المسارعة إلى الضلالة، وذكر في هذه الآية على وجه العلة لاختصاص المضرة بالعاصي دون المعصي. والفرق بين المضرة والإساءة أن الإساءة لا تكون إلا قبيحة. والمضرة قد تكون حسنة إذا كانت مستحقة، أو على وجه اللطف، أو فيها نفع يوفي عليها، أو دفع ضرر أعظم منها (ولهم عذاب أليم) أي: مؤلم.
(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين [178]).
القراءة: قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: (ولا يحسبن الذين كفروا)، (ولا يحسبن الذين يبخلون)، (ولا يحسبن الذين يفرحون) كلهن بالياء وكسر السين وكذلك (فلا يحسبنهم) بضم الباء وبالياء وكسر السين. وقرأ حمزة كلها بالتاء وفتح السين وفتح الباء من (يحسبنهم). وقرأ أهل المدينة والشام ويعقوب كلها بالياء إلا قوله (فلا تحسبنهم) بالتاء وفتح الباء، إلا أن أهل المدينة ويعقوب، كسروا السين وفتحها الشامي. وقرأ عاصم والكسائي وخلف، كل ما في هذه السورة بالتاء إلا حرفين (ولا يحسبن الذين كفروا)، (ولا يحسبن الذين يبخلون) فإنهما بالياء غير أن عاصما فتح السين، وكسرها الكسائي.
الحجة والاعراب: من قرأ بالياء فالذين في هذه الآي في موضع الرفع بأنه فاعل. وإذا كان الذين فاعلا، ويقتضي حسب مفعولين، أو ما يسد مسد المفعولين، نحو: حسبت أن زيدا منطلق، وحسبت أن يقوم عمرو، فقوله تعالى: (إنما نملي لهم خير لأنفسهم) قد سد مسد مفعولين اللذين يقتضيهما (يحسبن) " وما " يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون بمعنى الذي فيكون تقديره: لا يحسبن الذين كفروا أن الذي نمليه لهم خير لأنفسهم والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء، فيكون