(بصير) أي: عليم. وروي عن سعيد بن المسيب أن هذه الآية ناسخة لحكم المتعة في الآية الأولى، وقال أبو القاسم البلخي: وهذا ليس بصحيح، لأن الآية تضمنت حكم من لم يدخل بها، ولم يسم لها مهرا إذا طلقها، وهذه تضمنت حكم التي فرض لها المهر، ولم يدخل بها إذا طلقها، وأحد الحكمين غير الآخر.
وأقول: إذا بينا في الآية الأولى أنها تتناول المطلقات غير المدخول بهن سواء فرض لهن المهر، أو لم يفرض، وقلنا: إن متعوهن لا يحمل على العموم، إذ لا متعة لمن فرض لها المهر، وإن لم يدخل بها، فلا بد من تخصيص فيه وتقدير وحذف أي: ومتعوا من طلقتم منهن، ولم تفرضوا لهن فريضة. وإنما جاز هذا الحذف لدلالة ذكر من فرض لها المهر، وحكمها في الآية الأخرى عليه. وهذا ما سنح لي هاهنا، ولم أر أحدا من المفسرين تعرض لذكره، وبالله التوفيق.
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين [238]).
اللغة: الحفظ: ضبط الشئ في النفس، ثم يشبه به ضبطه بالمنع من الذهاب. والحفظ: خلاف النسيان. وأحفظه: أغضبه، لأنه حفظ عليه ما يكرهه.
ومنه الحفيظة: الحمية. والحفاظ: المحافظة. والوسطى: تأنيث الأوسط وهو الشئ بين الشيئين على جهة الاعتدال. وأصل القنوت: الدوام على أمر واحد.
وقيل: أصله الطاعة. وقيل: أصله الدعاء في حال القيام. قال علي بن عيسى:
والأول أحسن لحسن تصرفه في الباب، لأن المداوم على الطاعة قانت، وكذلك المداوم في صلاته على السكوت إلا عن الذكر المشروع، وكذلك المداوم على الدعاء، ويقال: فلان يقنت عليه أي: يدعو عليه دائما.
النزول: عن زيد بن ثابت: " إن النبي كان يصلي بالهاجرة (1)، وكانت أثقل الصلوات على أصحابه، فلا يكون وراءه إلا الصف أو الصفان، فقال: لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم "، فنزلت هذه الآية.
المعنى: لما حث الله سبحانه على الطاعة، خص الصلاة بالمحافظة عليها، لأنها أعظم الطاعات، فقال: (حافظوا على الصلوات) أي: داوموا على الصلوات المكتوبات في مواقيتها بتمام أركانها، ثم خص الوسطى تفخيما لشأنها، فقال: