على قتالهم في الحق، كما يصبرون على قتالكم في الباطل. وإنما أتى بلفظ صابروا هاهنا، لأن فاعل إنما يأتي لما يكون بين اثنين. والرباط هو المرابطة. فيكون بين اثنين أيضا، يعني: أعدوا لهم من الخيل ما يعدونه لكم، كقوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة).
وثانيها: إن المراد اصبروا على دينكم، وصابروا وعدي إياكم، ورابطوا عدوي وعدوكم، عن محمد بن كعب القرظي وثالثها: إن المراد اصبروا على الجهاد، عن زيد بن أسلم. وقيل: إن معنى رابطوا أي: رابطوا الصلوات، ومعناه: انتظروها واحدة بعد واحدة، لأن المرابطة لم تكن حينئذ، روي ذلك عن علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات، وأكمل التحيات. وعن جابر بن عبد الله، وأبي سلمة ابن عبد الرحمن.
وروي عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه سئل عن أفضل الأعمال، فقال: " إسباغ الوضوء في السبرات (1)، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط " وروي عن أبي جعفر الباقر " عليه السلام " أنه قال: " معناه اصبروا على المصائب، وصابروا على عدوكم، ورابطوا عدوكم ". وهو قريب من القول الأول. وقوله:
(واتقوا الله لعلكم تفلحون) معناه: واتقوا أن تخالفوا الله فيما يأمركم به، لكي تفلحوا بنعيم الأبد. وقيل: معناه اتقوا عذاب الله بلزوم أمره، واجتناب نهيه، لكي تظفروا وتفوزوا بنيل المنية، ودرك البغية، والوصول إلى النجح في الطلبة، وذلك حقيقة الفلاح.
وهذه الآية تتضمن جميع ما يتناوله المكلف لأن قوله: (اصبروا) يتناول لزوم العبادات، واجتناب المحرمات. (وصابروا) يتناول ما يتصل بالغير كمجاهدة الجن والإنس، وما هو أعظم منها من جهاد النفس. ورابطوا يدخل فيه الدفاع عن المسلمين، والذب عن الدين. (واتقوا الله): يتناول الانتهاء عن جميع المناهي والزواجر، والائتمار بجميع الأوامر، ثم يتبع جميع ذلك الفلاح والنجاح.
هذا آخر المجلدة الثانية من كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن من المجلدات العشر من الأصل