وكل مكلف ذو لب؟ قيل: لم تطلق على جميع المكلفين هذه الصفة، لما فيها من المدحة، فلذلك عقد التذكر بهم، وهم الذين يستعملون ما توجبه عقولهم من طاعة الله في كل ما أمر به، ودعا إليه. وسقي العقل لبا، لأنه أنفس ما في الانسان، كما أن لب الثمرة أنفس ما فيها.
(وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار [270]).
اللغة: النذر: هو عقد المرء على النفس فعل شئ من البر بشرط، ولا ينعقد ذلك إلا بقوله: لله علي كذا. ولا يثبت بغير هذا اللفظ. وأصل النذر: الخوف، لأنه يعقد ذلك على نفسه خوف التقصير في الأمر. ومنه نذر الدم: وهو العقد على سفكه للخوف من، مضرة صاحبه، قال عمرو بن معدي كرب:
هم ينذرون دمي، * وأنذر إن لقيت بأن أشدا يقال: نذرت النذر أنذره وأنذره، ومنه الإنذار: وهو الإعلام بموضع العدو والخوف ليتقى. والأنصار: جمع نصير مثل شريف وأشراف. والنصير: هو المعين على العدو.
الاعراب: (ما) بمعنى الذي. وما بعدها صلتها. والعائد إليها ضمير المفعول المحذوف من (أنفقتم) تقديره: وما أنفقتموه. وهو في موضع رفع بالابتداء. وخبره (فإن الله يعلمه). والعائد إلى المبتدأ من الخبر الهاء في يعلمه. ولا يجوز أن يعود إلى النفقة، لأنها مؤنثة، ولا إلى النفقة والنذر، لأن ذلك يوجب التثنية.
وأقول: يجوز أن يكون ما للجزاء، ويكون منصوبا بأنفقتم، ولا يحتاج فيه إلى حذف المفعول، فيكون التقدير: أي شئ أنفقتم، أو نذرتم. والفاء في موضع الجزاء. (من نفقة): الجار والمجرور في محل النصب على الحال من أنفقتم أو نذرتم وذو الحال: ما.
المعنى: ثم عاد سبحانه إلى ذلك الانفاق والترغيب فيه، فقال: (وما أنفقتم من نفقة) أي: ما تصدقتم به من صدقة، مما فرض الله عليكم. وقيل: معناه ما أنفقتم في وجوه الخير، وسبل البر من نفقة واجبة، أو مندوب إليها. (أو نذرتم من