المنير الهادي إلى الحق.
(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [185]).
اللغة: يقال لكل من نجا من هلكة، وكل من لقي ما يغتبط به: فقد فاز.
وتأويل فاز: تباعد عن المكروه، ولقي ما يحب. ومعنى قولهم مفازة للمهلكة التفأل، وإنما المفازة المنجاة كما سموا اللذيع سليما، والأعمى بصيرا.
المعنى: ثم بين سبحانه أن مرجع الخلق إليه، فيجازي المكذبين رسله على أعمالهم، من حيث حتم الموت على جميع خلقه فقال: (كل نفس ذائقة الموت) أي: ينزل بها الموت لا محالة، فكأنها ذاقته. وقيل: معناه كل نفس ذائقة مقدمات الموت، وشدائده وسكراته كقوله تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت). وعلى هذا جاء قوله: " لقنوا أمواتكم شهادة أن لا إله إلا الله ". وهذا الظاهر يدل على أن كل نفس تذوق الموت، وإن كانت مقتولة، وإن القتل لا ينفك عن الموت الذي هو فعل الله. وقيل: إن المراد بالموت هنا: انتفاء الحياة والقتيل قد انتفت الحياة منه.
والقتيل فهو داخل في الآية.
(وإنما توفون أجوركم) معناه: وإنما تعطون جزاء أعمالكم وافيا (يوم القيامة) إن خيرا فخيرا وثوابا، وإن شرا فشرا وعقابا. فإن الدنيا ليست بدار جزاء، وإنما هي دار عمل. والآخرة دار جزاء، وليست بدار عمل. (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة) أي: بوعد عن نار جهنم، ونخي عنها، وادخل الجنة (فقد فاز) أي نال المنية، وظفر بالبغية، ونجا من الهلكة. (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) معناه: ما لذات الدنيا وشهواتها وزينتها، إلا متعة متعكموها الغرور والخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الاختبار، لأنكم تلتذون بها، ثم إنها تعود عليكم بالرزايا والفجائع، ولا تركنوا إليها، ولا تغتروا بها، فإنها هي غرور، وصاحبها مغرور. وقيل: متاع الغرور القوارير، وهي في الأصل ما لا بقاء له، عن عكرمة.
وفي الآية دلالة على أن أقل نعيم من الآخرة، خير من نعيم الدنيا بأسره،