ظالمون) أي: مستحقون للعذاب بظلمهم. وفي هذه الآية دلالة على أن ما يتعلق بالنصر والظفر، وقبول التوبة والتعذيب، فإنما هو إلى الله، وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك شئ، وإنما إليه الهداية والدعاء، فكأنه قال: لا ترفع عنهم السيف إلى أن يتوبوا فيتوب عليهم، أو يقوموا على كفرهم، فيعذبهم بظلمهم.
(ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم 129).
اللغة: إنما ذكر لفظ (ما) لأنها أعم من من، فإنها تتناول ما يعقل، وما لا يعقل، لأنها تفيد الجنس. ولو قال: من في السماوات، لم يدخل فيه الا العقلاء، إلا أن يحمل على التغليب، وذلك ليس بحقيقة.
المعنى: لما قال تعالى: (ليس لك من الامر شئ) عقب ذلك بأن الامر كله له فقال: (ولله ما في السماوات وما في الأرض) ملكا وملكا، وخلقا واقتدارا، على الجميع، يصرفهم كيف يشاء، ايجادا وافناء وإعادة (يغفر لمن يشاء) من المؤمنين ذنوبهم، فلا يؤاخذهم بها، ولا يعاقبهم عليها، رحمة منه وفضلا.
(ويعذب من يشاء) أي: ويعذب الكافرين، ومن يشاء من مذنبي المؤمنين، ان مات قبل التوبة عدلا. ويدل عليه مفسرا قوله: (ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). ولولا ذلك لكنا نجوز العفو على الجميع عقلا.
وقيل: إنما أبهم الله الامر بالتعذيب والمغفرة، فلم يبين من يغفر له، ومن يشاء تعذيبه، ليقف المكلف بين الخوف والرجاء، فلا يأمن من عذاب الله تعالى، ولا ييأس من روح الله (1) الا القوم الكافرون. ويلتفت إلى هذا قول الصادق عليه ا لسلام:
لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا. وقيل: إنما علق الغفران أو العذاب بالمشيئة، لان المشيئة مطابقة للحكمة، فلا يشاء الا ما تقتضي الحكمة مشيئة. وسئل بعضهم:
كيف يعذب الله عباده بالاجرام مع سعة رحمته؟ فقال: رحمته لا تغلب حكمته، إذ لا تكون رحمته برقة القلب، كما تكون الرحمة منا. وعن ابن عباس قال: معنى الآية يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ممن لم يتب.