فإنه غير مناف لاشتغال الجوارح محضرا قلبه ما مدح الله به قوما من الصالحين بذلك بقوله رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله قاصرا في كسبه على قدر الحاجة أو إعانة المؤمن أو المؤمنين بالخيرات العامة متفرغا في فاضل الوقت للعبادة والراحة وورد أن الساعي تفاخرا وتكاثرا في سبيل الشيطان وغيرهم من الذين لا شغل راتبا لهم يشتغلون بغيرها من محاسن الأحوال المعدودة من العبادات كعيادة المريض وتشييع الجنازة وقضاء حاجة المؤمن وحضور مجلس العلم وزيارة القبور والمزارات المتبركة وقراءة القرآن وإماطة الأذى عن الطريق إلى غير ذلك وإياهم و الاشتغال بالملاهي والمخازي التي يقود إليها الفراغ لا سيما إذا انضمت إليه الجدة فإن انضم إليهما الشباب كان الداء العضال ومن وجد في نفسه من البطالين ضعفا عن الانضباط عنها فليكثر النوم فإنه أحسن أحواله وورد الناس ثلاث غانم وسالم وخاسر فمن لم يكن غانما فلا يكن خاسرا ومن عجز عن الغنيمة فليطلب السلامة بالهزيمة وفي يقظته يشتغل بنحو المشاعرة ومطالعة كتب التاريخ و نحوهما مما يليه عن الكذب والغيبة والنميمة وغيرها مما امتلأت به مجالس هذا الزمان جعلنا الله (تع) وإياكم من شرها في أمان وفي الليل يحافظ على وظائف ما بين العشائين من الأذكار والنوافل الراتبة وغيرها وهو إحدى ساعتي الغفلة وعلى قيامه بالتهجد فقد مدح الله قوما بذلك في غير موضع من القرآن كقوله عز وجل أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وفسر في حديث أبي جعفر (ع) بصلاة الليل وفي قوله سبحانه في الأخبار عن عباد الرحمن والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما وفي الحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر وفيه الوتر في كتاب علي واجب والظاهر أن المراد به الركعات الثلاث كما هو الشايع في الأخبار وكلام المتقدمين ويعبرون عن الأخيرة بمفردة الوتر وورد عن أبي عبد الله (ع) أن البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن يضئ لأهل السماء كما يضئ النجوم لأهل الأرض وورد في فضل صلاة الليل عن أبي عبد الله (ع) أنها تبيض الوجه وتطيب الريح وتجلب الرزق وفي حديث آخر عنه (ع) أيضا أنها تحسن الخلق وتقضي الدين وتذهب بالهم وتجلو البصر وعن أمير المؤمنين (ع) قيام الليل مصحة للبدن ورضى للرب وتمسك بأخلاق النبيين وتعرض للرحمة وبالجملة فضل قيام الليل من ضروريات الدين وأدناه القيام قبل طلوع الصبح وأداء الثلاث عشر ركعة ثمان الليل وثلاث الشفع والوتر وركعتي الفجر الدساستين والأولى الاتيان بقراءاتها الموظفة والاستغفار في قنوت مفردة الوتر سبعين مرة لنفسه ثم لأربعين من إخوانه فصاعدا يسميهم بأسمائهم ثم يستغفر الله ويتوب إليه سبعين والمائة أكمل وليحفظ العدد كما سبق مع الأدعية المأثورة قبل الشروع وفي الأثناء والقنوتات وهي كثيرة مذكورة في مظانها ولا يكابد أي يقاسي الكبد بالفتح وهو الضيق والشدة بقيام كل الليل فيمنع العين حقها ففيه تعبد الملال المحذر عنه وورد في الحديث أن إثمه أكبر من نفعه لأنه ينجر إلى الترك فإذا غلبه النوم فليرقد وإن لم يكمل ورده فإذا انكسرت شرة النفس فليعد إليه فورد في النبوي بألفاظ متقاربة قد مر بعضها إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغض إليك عبادة الله إن المنبت يعني المفرط لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع وفي آخر تكلفوا في الدين ما تطيقون وإذا وجد في نفسه خفة في النهار فليقض ما فاته من نوافل الليل ولا يخرج من منزله ليلا إلا لحاجة مهمة وليسرع العود ولا يطرق أحدا فيخرجه من منزله فإن فعل فهو له ضامن إلا أن يقيم البينة أنه رده إلى منزله كذا في النبوي وغيره وقيده المصنف وغيره بما إذا وجد مقتولا ولا لوث واختلفوا فيما لو فقد أو وجد ميتا ليس عليه أثر القتل أو كان اخراجه بالتماسه وكذا الخلاف في أن المضمون هل هو القود مطلقا أو الدية كذلك أو التفصيل بالقود في المقتول والدية في غيره إلى غير ذلك من الوجوه التي لا يقضى على شئ منها بنص قاطع أما الضمان في الجملة فمما نقل عليه الوفاق وينبغي أن يكثر البكاء من خشية الله فورد عن النبي صلى الله عليه وآله برواية أبي حامد حرمت النار على ثلاث أعين وفي الكافي والخصال كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين عين سهرت في سبيل الله وعين غضت بضم الغين عن محارم الله وعين بكت من خشية الله وعن أبي عبد الله (ع) ما من شئ إلا وله كيل و وزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار وعنه (ع) إن لم يجئك البكاء فتباك فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ فبخ دون أن يكثر الضحك فهو يميت القلب كما في حديث أبي عبد الله (ع) وفي آخر الدين ويذهب بالنور وبماء الوجه ويمج الايمان مجا ويترك الرجل فقيرا يوم القيامة وورد في التنزيل فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا وفي الخبر لا تبدين عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة ويحمد الله ويصلي على النبي وآله صلى الله عليه وآله إذا عطس أو سمعه ولو في أثناء الصلاة وعن أبي عبد الله (ع) من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله وسلم خرج من منخره الأيسر طايرا أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة ويخفض صوت العطاس ما أمكن فالتصريح به حمق وعن أبي عبد الله (ع) في قوله (تع) إن أنكر الأصوات لصوت الحمير قال العطسة القبيحة وفي آخر كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا عطس يغض صوته ويستتر بثوبه أو يده وروي خمز وجهه ويستر الفم باليد عند التثأب ففي النبوي التثأب من الشيطان فإذا تثاب أحدكم فليضع يده على فيه فإذا قال آه آه فإنه الشيطان يضحك من جوفه ويلقي البزاق في جهة اليسار أو تحت القدم اليسرى دون القبلة واليمين لمنافاته التعظيم وإذا تعارض اليسار والقبلة تعين تحت القدم والقدام كالقبلة ويحتمل أن يكون هو المراد بها ويستقبل القبلة في الجلوس فهو عبادة وهو من السنة وكذا في التوجه وفيه قوة البصر فإنها أضوأ في البلاد الشمالية وهي معظم بلاد الاسلام ويجتنب الشمس ويقصد أن يجلس موضعا أقرب
(٣٣٦)