أعيان المدينة بخواتيمهم وكان الناس يلومونه بذلك إلى أن بلغ أبا الدوانيق أن إسماعيل بن جعفر ظهر بالبصرة وأنه أحيى بقرة ميتة لعجوز ثمة وكاد الناس يفتتنون به فبعث إلى أبي عبد الله (ع) كتابا يستفسره في ذلك ويعاتبه فيه وأرسل (ع) إليه بالمحضر وبرئ من التهمة وانقطعت الألسن عنه وورد أن الله (تع) أوحى إلى موسى (ع) أن يحمل عظام يوسف من مصر إلى الأرض المقدسة فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر وحمله إلى الشام لكن لا دلالة فيها على المطلوب بوجه ولا يصلح البناء عليه والجلوس التطيين والتجصيص كما في رواية علي بن جعفر وغيرها وربما يخص الأخير مما بعد الاندراس لما روي أن الكاظم (ع) أمر بعض مواليه بتجصيص قبر ابنة له ماتت بفند وهو قاصد إلى المدينة وهو والأول بل ما عدا الثاني بغير قبور الأنبياء والأئمة (ع) لاطباق الناس في الأعصار على ذلك فيها من غير نكير ولاستفاضة الأخبار بالترغيب في عمارة قبورهم ومزاراتهم وربما يلحق بها قبور العلماء والأولياء المشاهير في الدين استضعافا لعموم المنع وتعظيما لشعائر الاسلام ونفى عنه البأس في المفاتيح ولا يجوز النبش اجماعا للمثلة والهتك إلا مع الضرورة كغصبية الأرض أو الكفن أو الشهادة على عين الميت ونحو ذلك أو الرمم لارتفاع المانع حينئذ لكن لا سبيل إلى القطع بذلك إلا بتقادم العهد به جدا ولا يمكن ضبطه بمدة معينة لاختلاف البقاع والموتى في ذلك باب التعزية وهي تفعلة من العزا بالقصر والمد أي الصبر والمراد بها طلب التسلي من المصاب بقول أو فعل يوجب طيب نفسه وسلوة عن المصيبة وأحسنه التكلم عنده باسناد الأمر إلى الله عز وجل وعدله وحكمته وأنه لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم وإن جهل وجهه ظاهرا وذكر ما وعد الله (تع) على الصبر من جزيل الثواب ليسكن قلبه ويخف ما به وفضلها عظيم فورد في النبوي التعزية يورث الجنة وفيه من عزى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المصاب شئ وعن أمير المؤمنين (ع) من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله و ينبغي للمعزي إظهار الحزن والمشاركة في المصيبة وقلة التكلم وترك التبسم وذكر محاسن الميت و الشهادة له بالخير والايمان وهي قبل الدفن وبعده والأخير أفضل ويجزي فيها الدعاء فورد عن أبي عبد الله (ع) أنه عزى قوما فلم يزد على قوله جبر الله وهنكم وأحسن عزاكم ورحم متوفاكم وأقلها أن يراه المصاب فعنه (ع) كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة ويكره له الجلوس لها أزيد من ثلاثة أيام و أما الثلاثة فلا كراهة فيها وجعلها بعضهم من السنة ومنهم من كرهه مطلقا وورد أيضا النهي عن الحداد أكثر من ثلاثة إلا المرأة على زوجها فتجلس حتى تنقضي عدتها وعليها الحداد كما مر في كتاب النكاح ويستحب لأصدقاء الميت وفي بعض الروايات لجيران صاحب المصيبة اتخاذ طعام لأهله ثلاثة أيام بيوم مات فيه والسنة البعث إليهم به ويكره الأكل عندهم فهو من عمل أهل الجاهلية ويجوز النوح بالكلام الحسن وفسر في حديث أمير المؤمنين (ع) بالدعاء وتعداد الفضايل نظما ونثرا باعتماد الصدق والتحفظ عن الهجر وما يسخط الرب كما ناحت فاطمة على أبيها والفاطميات على الحسين عليهم الصلاة و السلام وندبت أم سلمة ابن عمها الوليد بن المغيرة بأبيات من الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فما عاب ذلك ولا قال شيئا وما ورد من أنه يكره النوح على الميت محمول على معناها المتعارف أو النوح بالباطل ويكره ليلا فإنه يؤذي الملائكة وكذا يجوز أخذ الأجرة عليه فورد أنه لا بأس به وأن أبا جعفر (ع) أوقف من ماله كذا وكذا النوادب يندبنه عشر سنين بمنى وأنه تستحله بضرب إحدى يديها على الأخرى لكن الاحتياط أن يكون من غير تشارط لما في موثقة حنان عن أبي عبد الله (ع) قل لها لا تشارط وتقبل ما أعطيت وهذا أحد ما يجمع به بين الأخبار وتركه رأسا أولى وأحوط لاطلاق النهي عنه في حديث المناهي وغيره وهو أوفق بقواعد الشريعة المطهرة إذ لا يؤمن على النائحة التخطي إلى الباطل وإن قصدت الاقتصار على الحق لتتاخم حدودهما واللسان سباق إلى الهجر يعسر ضبطه إذا أطلق على مقدار الرخصة إلا لمثل فاطمة والفاطميات أو الضمير عايد إلى الأخذ أو الأجرة بمعنى الأجر لما ورد من التسوية بين أجر المغنية والنايحة في بعض الروايات ولا يجوز اللطم على الوجه أو الصدر والخدش وجز الشعر بالنص والاجماع ولما فيه من السخط لقضاء الله كذا في المفاتيح وفي الجميع نظر ومن المتأخرين من ذهب إلى الكراهة في اللطم والجز ولا شق الثوب على غير الأب والأخ على المشهور وربما يخص بالرجل وعن أبي عبد الله (ع) لا ينبغي الصياح على الميت ولا شق الثياب وهي ظاهرة في الكراهة وروى خالد بن سدير عنه (ع) قال إذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفرا ويتوبا من خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا وفي خدش الوجه إذا أدمت و في النتف كفارة حنث يمين والعمل بها مشهور إذ لا راد لها وإن كانت ضعيفة السند ومن ثم لم يثبت بها بعضهم إلا الاستحباب ومنهم المصنف في المفاتيح وذهب بعضهم إلى أن كفارة الجز مرتبة مثل كفارة الظهار وأما استثناء الأب والأخ فلما روي من فعل العسكري (ع) باب الهدية للميت يستحب الاهداء إليه ليلة الدفن بصلاة ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي وفي الثانية بعد الحمد القدر عشر مرات فإذا سلم قال اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان نقلهما الكفعمي في مصباحه وابن فهد في موجزه وأسندها في المفاتيح إلى الخبر وفي القراءة روايتان أخريان ولم أقف منها إلا على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلا قال لا يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة فإن لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد مرتين وفي الثانية فاتحة الكتاب مرة والهيكم التكاثر عشر مرات ويسلم ويقول الدعاء ونقل صاحب البحار عن بعض كتب أصحابنا أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة آية الكرسي مرة والتوحيد مرتين وفي الثانية بعد الحمد التكاثر عشرا ونقلها عن والده أيضا مع التصريح بأنه ليس في شئ من هذه الصلوات خبر يعتمد عليه من طرق أصحابنا وأنه لو أتى بصلاة على الهيئات المنقولة
(٣٥٧)