أأعنت مسلما ما الذي صنعت فيه فيذكر ما كان منه فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبر على توفيقه وإن ذكر معصية أو تقصيرا استغفر الله وعزم على ترك معاودته وقد سبق في باب التعقيب المحاسبة دبر كل صلاة وتدارك ما وقع من الخلل بما مر في محله كل ذلك لتمرينها على الخيرات الباقية الشريفة وضدها عن الحظوظ الفانية الدنية وإذا أحطت خبرا بما ذكر ظهر لك الجواب عما أورد هنا وهو أن في الجهاد الظاهر تعريضا للنفس لمفارقة الدنيا وزهوق الحياة وهي أعظم الحظوظ الدنيوية وتنفر النفس عنه أشد منه من غيره من التكاليف فمجاهدة النفس حاصلة في ضمنه بل لا يكاد يتحقق إلا بها فكيف يستقيم تفضيلها عليه وقد يجاب بأن جهاد النفس في حال الجهاد العدو ربما يكون أسهل وذلك أن القوة الغضبية تثور عند مناجزة العدو طلبا لدفعه وتصير النفس منقادة للمكلف فيما يريده من نصرة الدين خصوصا إذا خطر له بعض المقاصد الآخر من لذة الظفر والغنيمة وغيرهما وإن كان الباعث الأصلي هو الأول فلا يكون عليه كثير كلفة في صرف النفس إلى ما يخالف هويها بخلاف سائر العبادات فإن هذا المعنى مفقود فيها فمن ثم كان جهادها في سائر الحالات أصعب وأكبر من جهادها في حال وتلخص من ذلك أن التكاليف الشرعية كلها مجاهدات فكل ما كان القيام به منها أشق على النفس وأسخط لهواها كان أحق باطلاق اسم الجهاد عليه ومن ثم ورد أن جهاد المرأة حسن التبعل إذ قيامها بتوفية ما له عليها من الحقوق من أصعب الأمور وأشدها عليها وعن أمير المؤمنين (ع) جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمراد بالمعروف هنا ما يعم الواجب والمندوب أو الأول خاصة ويضاده المنكر وبالأمر والنهي طلب الفعل والترك بلفظ أو غيره ويجبان شرعا في الواجب والحرام بالضرورة من الدين وأما وجوبهما العقلي فأثبته قوم ونفاه الآخرون وحجة المثبتين أثبت واشتراطهم انتفاء المفسدة كما يأتي على دليل النافين فإن بطلان التكليف من أعظم المفاسد ويستحبان في المندوب والمكروه والنشران على ترتيب اللف والضابط أن الأمر بالشئ يتبعه في الحكم مطلقا ويعاكسه النهي في المذكورات خاصة ويشترطان بشروط أربعة بعضها للوجوب وبعضها للجواز العلم الشرعي بالحكم ليأمن الغلط وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح كما ورد وتجويز التأثير بأن لا يكون التأثير عنده ممتنعا بل ممكنا بحسب ما يظهر له من أمارات حاله فلا يسقطان بظن عدم التأثير لأن التجويز قائم معه ومنهم من اكتفى في سقوطهما به ومنهم المصنف في المفاتيح وعن أبي عبد الله (ع) إنما يؤمر بالمعروف وينهي عن المنكر مؤمن فيتعظ أو جاهل فليتعلم فإما صاحب سوط أو سيف فلا واصرار الفاعل أو التارك فلو ظهر منه أمارة الاقلاع سقط الوجوب ومنهم من اشترط العلم به وجعله من شروط كالأول والأمن من الضرر عليه وعلى أحد من المسلمين بسببه والمذكور في المفاتيح وغيره انتفاء المفسدة ومن أفرادها الضرر وهو أجود وأما ائتمار الأمر بما يأمر به وانزجار الناهي عما ينهي عنه فالوجه عدم اشتراطهما كما عليه المتأخرون لاطلاق الأدلة فالواجب على فاعل الحرام المشاهد فعله أمران تركه وانكاره ولا يسقط بالاخلال بأحدهما وجوب الآخر قالوا وأما الانكار في قوله عز وجل أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وقوله سبحانه لم تقولون ما لا تفعلون فإنما هو على عدم العمل بما يأمر به ويقوله لا على الأمر والقول وكذا ما في حديث الاسراء أنه صلى الله عليه وآله قال مررت بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من أنتم قالوا كنا نأمر بالخير ولا نأتيه وننهي عن الشر ونأتيه كيف لا ولو شرط ذلك لاقتضى عدم وجوب ذلك إلا على المعصوم فينسد باب الحسبة بالكلية انتهى وهو ناظر إلى أن المشترط يشترطهما في الوجوب وظاهر أدلته لو تمت اشتراطهما في الجواز وأيضا اقتضاء ذلك عدم وجوب الحسبة على غير المعصوم إنما يتم لو اشترط في الأمر انتفاء المعصية رأسا وظاهر كلام المشترط انتفاء تلك المعصية المعينة التي تنهى عنها خاصة فلا مانع للابس الحرير عن النهي عن الغيبة مثلا ولا يلزم انسداد باب الحسبة بالكلية كما لا يخفى ثم إن اجتمعت الشرايط وكان المطلع على حال تارك المعروف أو فاعلي المنكر منفردا تعين عليه الأمر والنهي والوجوب عيني بلا كلام وأن لا يكن منفردا بل معه غيره ففي وجوب الانذار على كل واحد منهم عينا أو كفاية قولان واستدل للأول بالعمومات مثل قوله صلى الله عليه وآله إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له قيل وما المؤمن الذي لا دين له يا رسول الله قال الذي لا ينهى عن المنكر وعن أمير المؤمنين (ع) من ترك انكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت في الأحياء ونحوهما للأخير بقوله عز وجل ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ورواية مسعدة عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو أجب هو على الأمة جميعا فقال لا إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا وبأن الغرض من الانذار وقوع المعروف وارتفاع المنكر فإذا حصلا بفعل واحد كان الانذار من غيره عبثا وفي جميع هذه الأدلة من القصور ما لا يخفى فإن القدر المسلم من دلالة العمومات إنما هو الوجوب في الجملة والمطلوب أخص من ذلك والآية بعد تسليم كون الجار فيها للتبعيض وما يليها إنما يدلان على وجوبهما على كل واحد من آحاد الأمة وهو كذلك إذ ليس كل منهم مستجمعا لشرايط الوجوب لا على محل النزاع وهو السقوط عن بعض المستجمعين لها بقيام بعض منهم قبل ترتب الأثر والسقوط عن غير المستجمع لها لا يقتضي الوجوب الكفائي كالحج والزكاة وغيرهما من الواجبات المشروطة والانذار الأخير إنما يسلم كونه عبثا مطلقا
(٢٠١)