هذه من قواصم الظهور ثم حب المدح وكراهة الذم في الباطن من دون إظهار قول ولا فعل يدل على ارتياح القلب بالمدح وتكدره بالذم وهذه مما لا تتعسر كثيرا على بعض ثم حب المدح مع إظهار القول والفعل الدالين عليه كالثناء والبشاشة والثواب وكراهة الذم باظهارهما كالسب والتقطيب والطرد أو الضمير راجع إلى الحب والكراهة وهذه أدون المراتب وأكثرها شيوعا وحب المدح كحب الجاه فيما ذكر من أحكامه حرمة إذا اشتمل على معصية من كذب أو ازراء بمؤمن ونحو ذلك وإباحة إن خلا عنها مع استثناء ما استثني ثمة مما يستعان به على الواجب فواجب أو المندوب فمندوب أو يراد بها المعنى العام وإنما أجمل اعتمادا على ما سبق من البيان والمدح كالجاه نفعا في الدنيا بالايصال إلى المقاصد والتذاذ النفس بحصول كمالها وضرا في الدنيا في الدين بالآفات المذكورة للجاه فيهما كلا أو بعضا و سبب حبه استلزامه أحد أمور ثلاثة أحدهما وهو الأقوى الشعور بكمال النفس فإن الكمال محبوب و الشعورية لذيذ والمدح مما يشعر به والثاني الشعور بالاستيلاء على المادح فإن المدح يدل عليه على أحد وجهين أما أن المادح محب ومريد للمدوح وأنه مستول على قلبه وأما أنه مغلوب متذلل له مضطر إلى الثناء عليه فإن الحشمة أيضا لذيذة لما فيها من القدرة والاستيلاء كيف كان محبوب كما تقدم فالشعور به لذيذ والثالث أن ثناء المثنى ومدح المادح سبب للصيت واستمالة قلوب السامعين إلى الممدوح وقد عرفت أنه محبوب لذيذ وهذا من أنواع الاستيلاء أيضا إلا أنه على غير المادح وتتفاوت مراتب حبه والالتذاذ به قوة وضعفا باختلاف الأشخاص والأحوال فيقوى الالتذاذ مهما صدر المدح من الخبير المعتبر القول الذي لا يجازف فيه لأن الشعور بكمال النفس فيه أقوى وأثبت فالفرح به أعظم كفرح التلميذ بثناء أستاذه عليه بالفضل والكياسة فإنه في غاية اللذة فإن صدر ممن لا خبرة له أو لا وثوق بقوله ضعفت وكذا إذا صدر من المترفع العظيم الخطر كالملوك والأكابر فإن العناية بالاستيلاء على قلوبهم شديدة والانتفاع باقتناصها عظيم وكذا المتمنع المتعزز إذا تذلل باطلاق اللسان بالثناء اضطرارا فإن الالتذاذ بمدحهم أعظم منه بمدح الاسقاط والسفلة وكذا يقوى الالتذاذ إذا اتفق المدح في الملأ والمجمع لكثرة السامعين المأمول استمالة قلوبهم فهو أقوى نفعا من المدح في الخلوة فيعظم حبه و الالتذاذ به وربما تجتمع هذه الأسباب في مدح مادح فتقوى اللذة به جدا وعلاجه علاج أصله الذي هو حب الجاه بما ذكر من العلم والعمل يزيد هنا في المسبب عن الأول علمه بأن الصفة الممدوح بها إن فقدت فيه فمدحه بها استهزأ به نظير أن يقال له ما أكثر العطر الذي في أحشائك وما أحسن الروايح التي تفوح منك إذا قضى حاجته وهو يعلم ما تشتمل عليه أمعاؤه من الأقذار والأنتان فإن الفرح بمثل هذا المدح غاية السفه وإن وجدت فيه فلا يخلو إما أن تكون دنيوية كالثروة والجاه ونحوهما أو دينية كالعلم والورع والدنيوية كمال وهمي كما علمت فلا تستحق الفرح بها وإن فرح فلا ينبغي أن يفرح بمدح المادح بل بوجودها والمدح ليس سبب وجودها والدينية وإن كانت كمالا حقيقيا تستحق الفرح بها إلا أنها إنما تستحقه من حيث إنها تقرب إلى الله زلفى وتنفع في القيامة فهي موقوفة على الخاتمة وهي غير معلومة وخطرها باق والفرحان بها على رجاء حسن الخاتمة ينبغي أن يكون فرحه بفضل الله عليه بالعلم والتقوى لا بمدح المادح وسبب كراهة الذم نقائض الأسباب المذكورة لحب المدح وهي الشعور بنقص النفس وهو مكروه مؤلم فالذم المشعر به كذلك والشعور بالمغلوبية و استيلاء الذام وانحراف قلوب السامعين وتقوى حيث يقوى وربما تقوى من الساقط الذليل أيضا خصوصا للمتعزز وعلاجها زيادة على ما سبق العلم بأن الصفة المذموم على وجه التعنت إن وجدت فيه فالذم بها تبصير له بما عمى عنه من العيون لأن النفس المحبوبة لا تخلو عن ذمائم مغفول عنها بالجهل البسيط أو المركب أو معلومة مسامح بها وإنما ينبه بها ألسنة الأعداء ويبعث على التخلي عنها ذمهم فينبغي فيه الفرح وتقلد المنة عنهم والشغل بالإزالة فإن من قصد الدخول على الملك وثوبه ملوث بالعذرة وهو لا يدري ولو دخل كما هو لخيف عليه أن يحز رأسه لتلويثه المجلس بالعذرة فقال له قايل أيها الملوث بالعذرة طهر ثوبك فهذا يليق أن يفرح به ويغتنم ارشاده ونصحه ويشكر نعمته وجميع المساوي مهالك في الآخرة يفطن لها الانسان من مقالات أعدائه وأما قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه فالضرر عليه والنفع للمذموم وإن فقدت بأن افترى ما ليس فيه فكفارة الذنوب إذ لا يخلو عنها غالبا أو رفع الدرجات باهداء حسناته إليه واللايق فيه الشكر لله (تع) من وجوه أ سقوط سيئاته عنه من غير تعب فإن المفتري رماه بما هو عنه برئ وطهره عما هو عنه غير برئ ب توفر حسناته من غير تعب أيضا فيثقل في القيامة ميزانه بأعمال غيره وكلاهما من جلائل النعم المشكورة ج أنه وإن خلي عن الصفة المرمي بها فلا يخلو عن أمثالها وأخواتها وما سر الله على الذام من عيوبه أكثر فليشكر الله إذ لم يطلعه على عيوبه ودفعه عنه بذكر ما هو برئ عنه وينبغي الترحم عليه إذا هلك نفسه بالافتراء والتعرض للعقاب وتضييع الحسنات والدعاء له بالاصلاح والهداية كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون حيث كسروا سنه وسال الدم في وقعة أحد باب التواضع وهو عرفا الوسط العدل بين تفريط التكبر وافراط التخاسس كما سلف وعن أبي الحسن (ع) التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه وورد في الحديث النبوي ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله وعن الصادق (ع) في عدة روايات من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله وفي النبوي أيضا أنه الشرف وفي الصادقي أنه أصل كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقايق ما في مخفيات العواقب وقد قوبل فيما مضى بالكبر وهو الخلق الباطن الكامن في الصدر كما قال (تع) إن في صدورهم إلا كبر و التكبر هو اتباع الكبر في الأعمال الظاهرة والحركات الخارجة والكبر هو أن يرى نفسه فوق غيره في صفة
(٥٢)