في الدارين وعن أبي عبد الله (ع) السكوت راحة العقل وعنه (ع) الصمت الصمت كنز وافر وزين الحليم و ستر الجاهل وعن الرضا (ع) إنه باب من أبواب الحكمة وأنه يكسب المحبة وأنه دليل على كل خير وقد سبق أنه من علامات الفقه وأنه يلقح العقل ويقوي التقوى وبالجملة قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صمت نجا فإن اللسان مفتاح الشرور العاجلة والآجلة وفي حديث آخر البلايا موكلة بالمنطق وفي آخر إن لسان ابن آدم يشرف على جوارحه كل صباح فيقول كيف أصبحتم فيقولون بخير إن تركتنا وأما آفات الصمت فالتقرير على المنكرات وكتمان العلم واهمال القوة الناطقة وفوات التعلم وغير ذلك مما لا ينبغي وإن كانت دون آفات الكلام وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل كما سلف في حديث السجاد (ع) وقد سبق أن المستمع شريك القائل فله حظ من آفات كلامه إلا مستمع الغيبة للرد عند من أباحه كما يظهر من بعض الأخبار وأقل ما فيه هيجان الوساوس وبقاؤها كلا أو بعضا في النفس فإن الكلام لا ينفك عن تأثير ما فيها ومن ثم سمي كلاما من الكلم أي الجرح وورد في معرض المدح وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وأقل الاعراض الكف عن الاستماع وحكم الشعر وهو الكلام المنظوم مطلقا حكم غيره من أنواع الكلام فحسنه كالمشتمل على ذكر أو حكمة حسن انشاء وانشادا واستماعا بل هو أوقع في النفس وأقرب إلى الحفظ وقبيحه كالمشتمل على هجو أو تشبيب وتغزل قبيح كذلك بل أفحش وأشنع على تفاوت أصنافه وأفراده وما ورد من ذم الشعر وأهله في الكتاب والسنة فالمراد به الكلام التخييلي الذي لا حقيقة له منظوما أو منثورا كما جرى عليه اصطلاح المنطقيين وبينهما عموم من وجه وورد في صحيحة الحلبي علي بن يقطين كما تقدم ما لا بأس به فلا بأس به وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله قائلا ينشد وكل ذي غيبة يؤب وغايب الموت لا يؤب فقال إن من الشعر لحكمة وقد كانت تنشد الأشعار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) من دون نكير بل ربما أمروا بذلك باب الإخاء أي التحابب وهو مما جبل عليه الانسان لانتظام أحواله وحقه أن يكون في الله ولو اشتمل على بعض الحظوظ العاجلة للنفس ما لم تكن هي المقصودة فيحب عالما يستفاد من قوله أو حاله ما ينتفع به الدين أو صالحا يتبرك به ويتقرب إلى الله بزيارته والنظر إلى وجهه أو امرأة تفرغ قلبه للعبادة بتدبير أمر البيت وتحصن فرجه عن وساوس الشيطان وتلد له ولدا صالحا يستعين به في أمور دينه ويدعو له بعد وفاته أو غنيا يعطيه مالا يصون الوقت عن الضياع في الطلب والقلب عن التشويش والجوارح عن التعب أو متعبدا له (تع) من حيث إنه متعبد له (تع) لا لأمر آخر ولو لم يره ولم يعلم به وهو أغلى أنواع الحب في الله وأخلصها عن الشوب وما من مؤمن إلا وله من هذا الحب نصيب قل أو كثر ومن ثم إذا أخبر عن حال عالم صالح في أبعد البلاد يجد في نفسه ميلا إليه وإن كان مأيوسا من لقائه والعلم به ومن هذا الباب محبة الأنبياء الماضين والسلف الصالحين والسبب فيه محبة الله سبحانه فإنه (تع) يحبهم ويحبونه كما أخبر عنه التنزيل والمحب للشئ محب لمحبه ومحبوبه كما يوجد ذلك في أحوال العاشقين من استهتارهم بكل ما يعتلق بالمعشوق نوع اعتلاق كما قال رئيسهم أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار أو ما هذى الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا وكذا البغض حقه أن يكون في الله وأصدقها بغض العصاة من حيث إنهم عصاة لا غير ويزدادان لقوة الطاعة والمعصية وينتقصان لضعفهما فإن قوة السبب سبب لقوة المسبب وضعفه لضعفه فيتصور في كل منهما أحوال مترتبة فالأدنى من مراتب الحب يخص باسم الأخوة وهو الارتباط بين المتحابين على وجه يمتازان به عن العامة ثم فوقها مرتبة المحبة من تخصيص اسم الجنس ببعض أنواعه كتسمية ما يقابل التصديق تصورا وهي ما تمكن في حبة القلب وهي سويداؤه التي تنشر منها الحرارة الغريزية إلى الأطراف وهي أول ما تحله الحياة وتتعلق بالروح من أعضاء الجنين ثم الخلة بضم الخاء وهي ما تخلل في سره أي دخل خلال باطنه فحشاها بحيث لم يبق فيه محل الغير و من ثم لا شركة فيها لامتناع مكنيين في مكان واحد وورد عن أبي عبد الله (ع) أن المتحابين في الله يوم القيامة على منابر من نور أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شئ حتى يعرفوا به فيقال هؤلاء المتحابون في الله وعن النبي صلى الله عليه وآله إن حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور ووجوههم نور يغبطهم النبيون والشهداء فقالوا يا رسول الله صفهم لنا فقال هم المتحابون في الله والمتجالسون في الله والمتزاورون في الله وعن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه أي عرى الايمان أوثق فقالوا الله ورسوله أعلم وقال بعضهم الصلاة وقال بعضهم الزكاة وقال بعضهم الصيام وقال بعضهم الحج والعمرة وقال بعضهم الجهاد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لكل ما قلتم فضل وليس به و لكن أوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله وينبغي أن يصاحب خيار الناس دون شرارهم فإن الأخلاق مسرية ودون الخلط لذهاب إثمه بنفعه بل إثمه أكبر من نفعه غالبا لأن النفس لدعوة الشر أطوع والمنصوص اختيار العاقل وهو الذي يفهم الأمور على ما هي عليه بنفسه أو إذا فهم علم وهو الأصل الأول لسعادة الدارين والكريم فإنه إن لم ينتفع منه بكرم لم يتضرر منه بلوم والحسن الخلق فرب عاقل يدرك الأمور ولكن إذا غلبه غضب أو شهوة أو حقد أطاع هواه وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه والقانع والقانع فإنه يكسر سورة الحرص ويرضى بالحال والصالح فإنه لا يخون في الصداقة ولا يضيع الحقوق دون الفاجر فإنه يزين له فعله ويحب أن يكون مثله ولا يعينه على أمر دنياه ولا أمر معاده ومدخله إليه ومخرجه من عنده شين عليه وفي حديث آخر فإنه بايعك بأكلة وأقل من ذلك والأحمق فإنه لا يشير عليه بخير ولا يرجى لصرف السوء عنه ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعته فضره فبعده خير من قربه والكذاب فإنه لا يهنئه معه عيش لينقل حديثه وينقل إليه الحديث كلما أفتى أحدوثة مطها بأخرى مثلها حتى أنه
(٣٢٦)