تتميما للفائدة باب الطعام وهو بفتح الطاء ما يؤكل والمراد هنا ما يعم المشروب وجميعه بأنواعه كساير ما في الأرض مخلوق لمنافع العباد لتطيب نفوسهم بما يلائمهم ويحفظ عليهم الحياة و كمالاتها من صحة البدن والعقل الذي هو أشرف الخواص الانسانية فإن الله خلق ابن آدم أجوف لا بد له من الاغتذاء لولا ذلك لانتهك البدن بما فيه من القوة المحللة واختلت الحواس في أقرب وقت والهمة دون سائر الحيوان علاج الأغذية الصناعية وتركيب بعض الأعيان ببعض توسعة في النفع وتوفيرا في المصلحة قال الله سبحانه خلق لكم ما في الأرض جميعا وهو مما يستدل به على أصالة الإباحة فما طاب منه عرفا بحيث لا يستكرهه نفوس أوساط الناس في حال الاختيار وطهر شرعا فهو حلال بالأصل وإن عرضه التحريم أحيانا إلا ما ورد النص بحرمته سواء ورد النص بحله أم لا لعموم قوله تعالى أحل لكم الطيبات وقوله يحل لكم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقول أبي عبد الله (ع) كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي خلافا لمن جعل الأصل التحريم أو التوقف وهو أيضا قول بالتحريم من حيث لا يشعر القائل وما خبث عرفا كالفضلات كالوسخ والمخاط ونحوهما أو أضر بشئ مما ذكر فهو حرام سواء كان ضرره بالحياة كالسموم القاتلة وهي الأعيان المشتملة على كيفية ردية من حرارة أو برودة مفرطتين أو صورة نوعية معاندة لجوهر الروح بحيث إذا خالطت البدن لا بد أن يستفرغ أحدهما سواء كانت نباتية كالأفيون والبيش أو حيوانية كالذراريح والأرنب البحري أو معدنية كالزاج والزرنيخ أو بالصحة كالطين فورد عن أبي جعفر (ع) أن أكله يورث السقم في الجسد ويهيج الداء وأنه يوقع الحكة ويورث البواسير ويذهب بالقوة من الساقين والقدمين وما نقص من علمه فيما بينه وبين صحته قبل أن يأكله حوسب عليه وعذب به وفي النبوي وغيره من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه وفي حكمه المدر وإن كان أقل غائلة منه وقد ورد النهي عنه في بعض الأخبار والتراب يشاركه في التأثير أو يربو عليه ومن ثم قطع بعضهم باشتراكه معه في الحكم فيلزم انسحابه إلى كثير من الأغذية التي تترتب عليها آثار غير محمودة من المفردات والمركبات كما دونه المجربون ولا سيما على مساق كلام المصنف حيث جعل مناط التحريم الاضرار بالصحة وذكر الطين بطريق التمثيل وهو مشكل جدا إلا أن يقال بعد تسليم ما دونوه أن ما عداه وإن اشتمل على بعض أنواع الضرر إلا أنها لا تخلو عن بعض أنواع النفع كما دونوه أيضا ولا أقل من اغتذاء البدن به حيث يصلح بدلا عما يتحلل منه بخلاف الطين فمن ثم حرم دونها ولا فرق بين كثيره وقليله حسما لمادة الفساد كما هو المعهود في مثله من محاسن الشرع إلا إلى قدر حمصة فما دون من طين قبر الحسين (ع) للاستشفاء من غير شهوة لأكل الطين فإنه شفاء من كل داء وأمان من كل خوف كما ورد والروايات في ذلك كلها واردة بلفظ الطين إلا مرسلة الشيخ في المصباح فبلفظ التربة وهي المتضمنة للتقدير بقدر الحمصة وهو قرينة أن المراد به الطين أيضا فتعدية الرخصة إلى التراب كما فعله بعضهم خروج عن اليقين والمراد بطين الحسين (ع) ما جاور قبره الشريف عرفا أو ما حوله إلى سبعين ذراعا وروي أربعة أميال وأربعة فراسخ وثمانية وورد في الطين الأرمني جواز الاستفاف به مقلبا للزحير وفي بعض الروايات أنه من طين قبر ذي القرنين وأن طين قبر الحسين (ع) خير منه وروي الاستشفاء بطين قبر رسول الله صلى الله عليه وآله والحسن والسجاد والباقر (ع) لكنها خالية عن رخصة الأكل محتملة لغيره من طرق الاستشفاء فليقتصر على مورد النص أو بالعقل الذي هو مناط التكليف كالمسكر وهو كل ما اشتمل على كيفية توجب السكر في غالب الأمزجة والسكر كيفية نفسانية موجبة لانبساط الروح تتبع استيلاء الأبخرة الحارة الرطبة المتصاعدة إلى الدماغ على بطونه بسبب عروض ما يوجبه وربما يتعطل معه لشدته الحس والحركة الإرادية أيضا وقد يخص الأخير باسم الاغماء والمعتبر في التحريم اسكار كثيره عادة فيحرم قليله ولو مستهلكا حسما للمادة وقد استفاضت النصوص بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام مايعا كان كالخمر أو جامدا كالبنج وما ألحق به في الروايات كالفقاع فورد أنه خمر مجهول وأنه الخمر بعينها وأن حده حد شارب الخمر وهو كرمان الشراب المتخذ من الشعير حتى يوجد فيه الغليان بأن يتحرك فينقلب أسفله أعلاه ولا يحرم بدونه كما في صحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال كان يعمل لأبي الحسن (ع) الفقاع في منزله قال ابن أبي عمير ولم يعمل فقاع يغلي وذكر بعض المعتنين بهذا الشأن أنه شراب يتخذ من مياه الحبوب والأثمار الرطبة واليابسة إذا نقعت ويضاف عليها من الأبازير و العقاقير ما يصلحها ويعدل مزاجها ولا يختص بالشعير ولا بالزبيب كما ذكره آخرون وأنه إن قصد تسخينه كثيرا ترك حتى يغلي وربما زيد عليه العسل أو الأبلوج وإلا استعمل قبل ذلك ولا يكاد يسكر إلا إذا غلى كثيرا وتقادم به العهد وأبردها وأقلها غائلة فقاع الشعير وكذا العصير العنبي إذا غلى واشتد قبل أن يذهب ثلثاه فهو حرام إلا أن يستحيل خلا والعبارة باطلاقها شاملة للغليان بالنار والشمس وغيرهما وكذا النصوص إلا أنها خالية عن اشتراط الاشتداد ومن ثم اقتصر في المفاتيح على الأول ولا يبعد ادعاء التلازم بينهما فإن الحرارة المؤثرة فيه بالغليان لا بد أن تحلل شيئا من أجزائه الرقيقة المائية وتصعدها أبخرة هوائية كما هو ظاهر وعن التقييد بالعنبي بل موردها مطلق العصير كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وحسنة حماد بن عثمان عنه (ع) لا يحرم العصير حتى يغلي و نحوهما ومن ثم لم يقتصر بعض الأصحاب على العنبي بل أجرى الحكم في التمري والزبيبي أيضا وأما بقية أنواع العصير كالربوبات والمياه المعتصرة من الفواكه والبقول فقد نقل رهط من المحققين
(٣٠١)