اعتناء بهما فانحصرت ذمائم القلب في الأخلاق السيئة كما يأتي بيانه ثم إن كانت عن قبيح يذم أو يعاقب صاحبه ففرض وإلا فنفل فانحلت الأقسام إلى ستة وأما طهارة الظاهر فبالحصر الاستقرائي لأنها إما عن الخبث بفتحتين فيه وفي قسيميه وهو النجس أو التفث وما هو يستهجن في البدن من فضلاته وغيرها أو الحدث وهو ما يوجب الوضوء أو الغسل ثم إن كانت مقدمة بواجب مشروط بها كطهارة الثوب واليد والوضوء للصلاة والطواف الواجبين أو جزء من واجب كالحلق والتقصير من الحج والعمرة ففرض وإلا فنفل فهذه أيضا ستة أقسام وورد عن النبي صلى الله عليه وآله الطهور نصف الايمان وهو بضم الطاء التطهر مصدر كالوضوء وبفتحها يرد مصدر أيضا كالقبول وآلة بمعنى ما يتطهر به كالسحور والوقود ومبالغة في الفاعل كالآكول وهو حث على الطهارة وتأكيد في أمرها من المبالغة المقبولة مجازا شايعا وكان النصف الآخر هو العمارة بالطاعة ظاهرا وباطنا أو إشارة إلى التخلية التي هي للقلب بمنزلة تنقية الأرض عن الأشواك والأعشاب الفاسدة والنصف الآخر هو التخلية التي هي بمنزلة غرس الأشجار المثمرة والقاء البذور الصالحة والايمان عبارة عنهما والباطن هو الأصل فإن الحركات الظاهرة إنما تنبعث منه كما ذكر ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة لو خشعت قلبه لخشعت جوارحه فهو الأولى والأهم بالتطهير وطهارته ملزومة لطهارة الظاهر ففي الحديث أن القلب في الجسد بمنزلة السلطان في الرعية فإذا صلح السلطان صلحت الرعية وإذا فسد فسدوا والسلف الصالح من قرن النبوة وهم من خير القرون ثم من بينهم الأقرب فالأقرب كانوا يبالغون فيه زيادة على مبالغتهم في غيره ويفحصون عن مقاماته ويتساءلون عن دقايق عيوبه وآفاته لمزيد اهتمامهم به كما سبق نقله ولكن لطهارة الظاهر أثر في تنوير الباطن كما يصادف عند إسباغ الوضوء وغسل الجمعة وسائر الأعمال الظاهرة فإنها مما يحس بتأثيراتها في النفوس ولو بعد التكرار ومن ثم يتمرن على الأعمال بكثرة المداومة عليها وهي مبدأ الملكات العادية كما يأتي لارتباط الملك وهو عالم الشهادة بالملكوت وهو عالم الغيب وانطباق كل منهما على الآخر وبسبب هذا الارتباط والانطباق والعلاقة الخفية بين العالمين ربما يسري حكم أحدهما إلى الآخر وتؤثر العلة المشهورة في المعلول الغيبي وبالعكس وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعد مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أتعرفون ما هذه الهدة قالوا الله ورسوله أعلم قال حجر ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة وصل الآن إلى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة فما فرغ من كلامه صلى الله عليه وآله إلا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم الحاضرون أن الحجر هو ذلك المنافق الذي كان يهودي في جهنم مدة عمره فلما مات استقر في قعرها كما قال (تع) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والعارف تحقيقة العالمين وتفصيل المطابقة بينهما ينكشف له كثير من الأسرار ويصدق يقينا واعتقادا لا تقليدا بجميع ما ورد به الدين القيم من أحوال النشأة الآخرة ويحيط بتأويل كثير من الآيات المتشابهات قائلا آمنا به كل من عند ربنا ومن ثمة تصدق غالبا روية من اعتاد الصدق حتى عدت في الصديقين من أنواع الوحي وأجزاء النبوة فإن النفس إذا تمرنت بالصدق في حال اليقظة التي هي من عالم الشهادة سرى ذلك إليها في حال الرويا التي هي من عالم الغيب أو المراد أن الصدق يسري من اللسان إلى القلب والأول أقرب لفظا والثاني معنى ولأجل ذلك تكذب أيضا رؤيا الكذوب والشاعر وأمثالهما من المعتادين بالصور المتخيلة التي لا حقيقة لها كما يأتي في باب المنام ونبدأ ببيان طهارة الباطن وموجباتها بالترتيب المذكور لأنها الأهم كما ذكر باب جرائم الجوارح بالهمزة بعد الألف عوضا عن الياء الزائدة وهي ما يخالف حكمة (تع) من فعل ما حكم بتركه أو ترك ما حكم بفعله والفعل والترك حدثان فالجريمة هي نفس المخالفة دون ما يخالف أعني الهيئة المخالفة والحمل على معنى الهيئة لا يجري في الأخير إذ المعدوم لا هيئة له وكيف كان فهو من أجود التعاريف وتنقسم الجرايم مطلقا تارة إلى ما هو جريمة بأصل الشرع كشرب الخمر والزنا وما يصير جريمة بالنية والعزم كالأكل للتقوي على المعصية مثلا كما يأتي وأخرى إلى حقه (تع) محضا كافطار الصوم وترك الصلاة الواجبين وما يتركب من حقه (تع) وحق العبد كقتل النفس المحترمة وقطيعة الرحم ويضاف إلى العبد تغليبا إذ حق العبد أغلظ لأنه لا يغفر حتى يعفو عنه صاحبه كما يأتي وفي المتفق عليه ان الدواوين يوم القيمة ثلاثة ديوان يغفر وديوأن لا يغفر وديوأن لا يترك اما الذي لا يغفر فالاشراك بالله عز وجل وأما الذي يغفر فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين ربه وأما الذي لا يترك فمظالم العباد بعضهم لبعض والقسمتان على هذا الوجه حاصرتان للطاعات أيضا والضابط في الأخيرة أن ما تعلق به الخطاب الاقتضائي من الشارع إن كانت مصلحته مقصورة على المخاطب كالصلاة والحج فهو حق الله المحض وإن كانت غير مقصورة عليه بل لغيره فيه مصلحة فهو حق الآدمي أعني ذلك الغير سواء كان للمخاطب منها حظ كبذل العلم للمتعلم أو مقصورة عليه كانقاذ المتردي من البئر وسواء كان ذلك الغير محصورا بشخصه كأداء الأمانة إلى أهلها أو بوصفه كايتاء الزكاة إلى أصنافها أما لو لم يكن محصورا لا شخصا كان الحق معدودا من حقوق الله كالحدود والسياسات الشرعية التي يخاطب بها أولو الأمر لمصلحة عامة المكلفين وربما يوجد في كلام بعضهم الحاق المحصور بوصفه بغير المحصور إذ لا يجوز له المطالبة ولو كان الحق له لجازت له مطالبته فتندرج الزكاة وأمثالها في حقوق الله وفيه أن المستفاد من الروايات اندراج الزكاة في حقوق الآدميين على أن تخصيص ذي الحق بمن يجوز له المطالبة ممنوع إذ لا دليل عليه بل ربما يتفق الاستحقاق مع عدم جواز المطالبة كما في المحلوف له غموسا ومما ذكرناه يظهر أن اطلاق أكثرهم القول بأن الزنا من حقوق الله يحتاج إلى تفصيل وهو أن المزني بها إن كانت حرة مطاوعة خلية فكذلك وإن كانت أمة أو مكرهة أو ذات بعل أو ما تركب منها ثنائيا أو ثلاثيا غلب فيه حق الآدمي وفي الحديث يحكم البعل في حسنات الزاني وفيه دلالة على ما قلناه وإليه شيخنا البهائي زاد الله بهائه وأصرح منه ما رواه الصدوق في الفقيه مسندا عن أبي عبد الله (ع) في رجل فجر بجارية أخيه فما توبته قال يأتيه فيخيره فيسأله أن يجعله في حل ولا يعود قلت فإن لم يجعله من ذلك في حل قال يلقى الله زانيا خائنا
(١٧)