غبن فالأولى أن يحتمله إن كان من ضعيف أو فقير سيما إذا كان يسيرا فورد في الحديث النبوي بألفاظ متقاربة رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء ولا يحتمله إن كان من غنى ولو يسيرا إلا إذا كان اقتضاؤه منافيا لمروته لأنه تضييع للمال بما لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة إذ لا حمد ولا أجر كما ورد أن المغبون في بيعه وشرائه لا محمود ولا مأجور وبهذا التفصيل يجمع بين الاطلاقات وكان بعض الحكماء يكثر المماكسة في المعاملة فقيل له أنت تهب الأموال الجزيلة وتضايق في الشئ الدون فقال الكرم مسامحة بالمال والغبن مسامحة بالعقل ويسامح في قبض الثمن والمثمن والدين بنقص في العين أو في الصفة وانظار وترك طلب وقبول عوض وحوالة ونحو ذلك مما يلتمسه المعامل سيما إذا كان أهلا له فورد في تتمة الحديث المصدر بقوله رحم الله امرءا سهل القضا سهل الاقتضاء وعنه صلى الله عليه وآله من أنظر معسرا أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا روى ذلك أبو حامد وعن أهل البيت (ع) ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أحدهم من أنظر معسرا أو ترك له من حقه ويبادر في الاستيجار إلى مقاطعة الأجرة قبل استعمال الأجير كما يأتي وإلى اعطاء الأجرة بعد الفراغ من العمل قبل أن يجف عرقه كما في حسنة هشام وغيرها وفي الاستدامة إلى قضاء الدين قبل حلول الأجل استباقا إلى الخير واغتناما للفرصة ويكون بأحسن ما شرط أو أحسن منه وينوي القضاء كذلك أن عجز فورد أن الملائكة يدعون له حتى يقضيه بل ورد أنهم يعينونه روى ذلك المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله (ع) قال من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله عز وجل حافظان يعينانه على الأداء من أمانته فإن قصرت نيته عن الأداء قصرا عنه من المعونة بقدر ما قصر من نيته وأن يستدين متوكلا على الله تعالى في ضعف حاله ما يكتسب به قوة في سبيله تعالى كتكفين ميت مقل وتزويد ابن سبيل ونكاح يتعفف به عن الفاحشة فهو تعالى يقضيها بتسبيب أسباب غير محتسبة وأن يقيل المعاملة إن ندم المعامل يقال أقاله إذا وافقه على نقض البيع وأجابه إليه فوعد عليه تعالى بصيغة المصدر والضمير المجرور راجع إلى الله تعالى أو الماضي والضمير عايد إلى المذكور وإقالة عثرته مرفوع على الأول منصوب على الأخير روى المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله (ع) أيما عبد أقال مسلما في بيع أقال الله عز وجل عثرته يوم القيامة وأن يعامل الفقير نسية فإنه من حسن المعاملة والاقراض المأمور بهما فإن كان على عزم الترك والابراء كلا أو بعضا لم يظهر غناه فأكمل وأن يكيل الطعام أخذا واعطاء وصرفا في البيت ففيه البركة ففي النبوي كيلوا طعامكم فإن البركة في الطعام المكيل وفيه أنه شكا إليه قوم سرعة نفاذ طعامهم فقال تكيلون أو تهيلون قالوا نهيل يا رسول الله يعني الجزاف قال كيلوا فإنه أعظم للبركة وعن أبي عبد الله (ع) إذا أرادت الخادم أن تعمل الطعام فمرها فلتكله فإن البركة فيما كيل وإن أعطى الراجح كما هو المندوب أعطاه بعد القسط فإنه أطيب لنفس المشتري وأن لا يتعرض للكيل والوزن والحساب إذا لم يحسنه بايعا كان أو مشتريا أو غيرهما حذرا من الزيادة والنقصان وقيل بتحريمه في الأولين وفي مرسلة الحناط رجل من نيته الوفاء وهو إذا كال لم يحسن أن يكيل قال فما يقول الذين حوله قلت يقولون لا يوفي قال هذا لا ينبغي له أن يكيل وأن يسوي بين المبتاعين في الانصاف زيادة على الواجب فلا يفرق بين المماكس وغيره ولا بين الشريف والوضيع نعم لو فاوت بينهم بسبب فضيلة ودين فلا بأس لكن يكره للآخذ قبول ذلك ولقد كان السلف يوكلون في الشراء ممن لا يعرف هربا من ذلك وذهب بعضهم إلى بقال ليشتري منه طعاما فقال البقال لولده هذا فلان الزاهد يوصيه بحسن توفيته فاغتاظ وقال جئنا لنشتري بالأثمان دون الأديان وأن يتورع في كل أموره بمعنى استعماله الورع فيها فورد في الحديث القدسي أما الورعون فإني أستحي أن أحاسبهم وفي رواية أخرى أفتش الناس ولا أفتشهم وهو على مراتب أربع وأدنى رتبه الاحتراز عن الحرام على وجه يخرج عن حد الفسق ويصحح قبول الشهادة وهو المسمى في العرف العام الورع المطلق وقد يضاف إلى العدول والتائبين ثم الاحتراز عن الشبهة مخافة الوقوع في الحرام كتجنب طعام الظلمة وجوائزهم على بعض الوجوه مخافة الوقوع في الركون إليهم وهو أول مراتب التقوى فإن من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم كما تقدم وورد في النبوي المستفيض دع ما يريبك إلى ما لا يريبك والشبهات حمى المحرمات ومن رتع حول الحمى أو شك أن يقع فيه وهذا ورع الصالحين ثم الاحتراز عن الحلال الذي يتخوف أن ينجر إلى الحرام كالتوقي عن التحدث بأحوال الناس مخافة الانجرار إلى الغيبة وامتناع القاضي عن قبول الهدايا حذرا عن الانجرار إلى الرشوة وفي الحديث النبوي لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس وهذا هو الصدق في التقوى ومن ثم يضاف إلى المتقين ثم الاحتراز عن جميع ما ليس له تعالى مخافة صرف لحظة من العمر فأيما لا يثمر زيادة القرب لديه عز وجل وإن كان معلوما أنه لا ينجر إلى حرام ولا شبهة البتة وهو الصدق المطلق ويضاف إلى الصديقين الصادقين في قولهم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وعليه وقع الحث بما ورد أن من تساوى يوماه فهو مغبون كما مرت الإشارة إليه ولنذكر شروط المعاملات المكتسب بها وفقهها في اثنين وعشرين بابا باب البيع وهو في اللغة وضع اليد في يد الغير ومنه البيعة وخص عرفا بالعقد الخاص لأنهم كانوا يبايعون فيه وهو من أنفع المصالح العامة التي ترتبط بها عمارة الدنيا وإباحته في الجملة من المرتكزات في العقول وخصه الشرع الإلهي بشروط وأحكام إذا روعيت أفادت الفايدة المقصودة منه وانسدت أبواب المفاسد المترتبة على الاسترسال فيه وهي إما في طرفيه المتعاقدين أو المالين المعاوض بهما فما يشترط في كل من المتعاقدين أمور ستة أحدها البلوغ فلا يصح من الصبي مطلقا وقيل بصحة بيعه إذا بلغ عشرا عاقلا وفي المفاتيح أن
(٢٢٩)