برفق ولطف إذ المقصود من الإخاء اصلاح النفس برعاية الحق للأخ وتحمل الأذى والتقصير منه لا الاستعانة به والاسترفاق منه ويقبل المعذرة من المعتذر صادقا كان أم كاذبا فعلى من لم يقبلها ما ورد في النبوي من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل فعليه مثل إثم صاحب المكس بفتح الميم و سكون الكاف يعني العشار لأنه يماكس كثيرا ويدعو له في حياته ومماته بالخير فيستجاب فيه ما لا يستجاب لنفسه وله مثل ذلك وفي رواية مثلاه وفي غيرهما مائة ألف ضعف كما سلف ويحفظ الوفاء بالثبات على المحبة والاحتراز عن القطيعة في حضوره وغيبته ولو بعد الموت معه ومع أهله وإخوانه فإن مراعاتهم أوقع في قلب الصديق من مراعاته نفسه فإن فرحه بتفقد من يتعلق به أعظم لدلالته على قوة الشفقة والحب حيث تعدى من المحبوب إلى من يتعلق به وورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنها كانت تأتينا أيام خديجة وأن كرم العهد من الايمان قال ذلك حين أكرم عجوزا أدخلت عليه فقال لها من أنت قالت قال إنا حيامة المزنية فقال بل أنت حسانة المزنية كيف حالكم كيف كنتم بعدنا قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله فلما خرجت قالت عايشة يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الاقبال فقال ذلك والأصل في الوفاء تسوية الظاهر والباطن والغيبة و الحضور فلا يعطيه من لسانه ما لا يسخو به قلبه ولا يتودد في حضوره بما يقصر عنه في غيبته أما زيادة الباطن على الظاهر والغيبة على الحضور فمن كماله ولا يغير الحال في التواضع والتودد إلى الترفع والتعزز عند ارتفاع القدر واتساع الجاه فهو من اللوم بل من تمام الكرم الزيادة والاسهام من الحال المتجدد ولا ينفرد عنه في أكل الطعام اللذيذ وحضور النزهة والسرور بل يتنغص لذلك لو اتفق ويستوحش عند فراقه ويستبشر عند لقائه فإنها من مخايل صدق المودة ويساعده في مآربه جلب نفع أو دفع ضرر إلا فيما يخالف الحق فالوفاء فيه الخلاف بالنصيحة والانذار ثم الخذلان ثم الممانعة من باب النهي عن المنكر وسيأتي أنه من النصرة ويشاوره فيما يقصده من الأمر المتشابه كما أدب الله به نبيه صلى الله عليه وآله وهو أعقل الأولين والآخرين ويقبل إشارته ولا يحفظ السر عنه مهما وجده أهلا له فإنه من علامة الوثوق ولا يحب عدوه لئلا يكون شريكا في العداوة فعن بعض السلف إذا أحب صديقك عدوك فقد اشتركا في عداوتك وقال الشاعر تود عدوي ثم تزعم أنني صديقك إن الرأي عنك لعازب ويخفف بترك التكلف والتكليف في أداء الحقوق فعن أمير المؤمنين (ع) شر الأصدقاء من تكلف لك ومن أحوجك إلى مداراة وألجأك إلى اعتذار وعن أبي عبد الله (ع) أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي ومن ترك التكليف أن لا يطلب منه ما يشق عليه بل يريحه من مهماته وحاجاته ولا يستمد منه من مال ولا جاه ولا يكون متقيدا بالتواضع له والتفقد والقيام بالحقوق بل لا يقصد بمحبته إلا الله وهذا التخفيف لا يختص بالحقوق بل يجري في غيرها كنوافل العبادة فلا يعترض فيها تركا ولا اتيانا كما عن طائفة من السابقين أنهم كانوا يتصاحبون على شرط المساواة بين أربعة معان إن أكل أحدهم النهار كله لم يقل له صاحبه صم وإن صام الدهر كله لم يقل له أفطر وإن أفطر وإن نام الليل كله لم يقل له قم وإن صلى كله لم يقل له نم ويستوي حالاه عنده بلا مزيد ونقصان فإن ذلك أن تفاوت حرك الطبع إلى الرياء والتحفظ لا محالة وكان تكلفا ينبغي التبري منه فورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنا وأتقياء أمتي برءاء من التكلف كما سبق ويرفع بعض الآداب الظاهرة المرسومة بين الأجانب كالقيام والتأخر والاعتذار والثناء عند تمام الاتحاد والخلوص فالمقصود من الصحبة صفاء القلب والأدب عنوانه الظاهرة ومهما عرف حصول المقصود استغنى عن عنوانه بما فيه من شوب التكلف ويزور غبا لا كل يوم فإنه مما يورث الملال وورد في النبوي زر غبا تزدد حبا والمشهور أن الغب يوم ويوم لا وقيل يوم بعد أيام وعن الحسن في كل أسبوع إلا أن يا من الملال فلا بأس كل يوم ويحمل الحديث على تحديد الأقل وورد عن أبي عبد الله (ع) ما زار أحد أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عز وجل أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة وقد تقدم حديث أبي الحسن (ع) من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب زيارتنا وينبغي أن ينوي فيها الاستيناس باللقاء فإنهما من طينة واحدة والاستعانة على أمور الدين فورد أن الأخوين كاليدين تغسل إحديهما الأخرى والتقرب إليه (تع) بإقامة الحق الواجب للأخ المؤمن وتحمل المؤنة في ذلك وورد في حديث أبي عبد الله (ع) ما عبد الله بشئ مثل أفضل من أداء حق المؤمن وفي الحديث النبوي برواية أهل البيت (ع) للمؤمن على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأداء أو العفو يغفر زلته ويرحم غربته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته ويديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعي ذمته ويعود مرضته ويشهد ميتته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافئ صلته ويشكر نعمته ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضي حاجته ويشفع مسئلته ويسمت عطسته ويرشد ضالته ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر انعامه ويصدق أقسامه ويواليه و لا يعاديه وينصره ظالما أو مظلوما فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه وأما نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقه ولا يسلمه ولا يخذله ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه والمعدودات تنيف على الثلاثين باثنين ولا ضير لاتحاد كل من ترك المعاداة والخذلان بسابقة ويمكن فرض الاتحاد في غيرها أيضا وفي تتمة هذه الرواية أو رواية أخرى نبوية أيضا إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له عليه وفي حديث أمير المؤمنين (ع) لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه باب المعاشرة و هي من ضروريات الانسان أيضا والمراد بها ما يعم المعاشرة الخاصة التي مع العمودين والزوجة
(٣٢٨)