اشتراط رضا المحيل والمحتال من مواقع الاجماع ومن عليه الحق مخير في جهات القضاء فلا يتعين عليه بعض الجهات قهرا والمحتال حقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزم نقله من ذمة إلى أخرى إلا برضاه وأما اشتراط رضا المحال عليه فمجرد احتياط عن مخالفة المشهور بل الاجماع الذي حكاه الشيخ إذ الروايات خالية عنه وما استدلوا له به من اختلاف الناس في الاقتضاء والاستيفاء مردود بأنه لا يمنع من مطالبة المستحق ومن ينصبه وقبض المحتال كقبض وكيل المحيل فلا وجه لاعتبار رضا من عليه الحق سيما مع توافق الحقين جنسا ووصفا نعم لو كانا مختلفين وكان الغرض استيفاء مثل حق المحتال على القول بجوازه توجه اعتبار رضاه لأن ذلك بمنزلة معاوضة جديدة فلا بد من رضا المتعاوضين ومع ذلك لو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور ومع اعتبار رضاه جاز عدم مقارنته العقد بل يكفي وقوعه كيف اتفق ولو متقدما أو متأخرا عنه بخلاف رضى الآخرين فإنه لا بد فيهما من المقارنة لأنهما من لوازم صحة العقد كما قاله الشهيد الثاني إلا أنه لا يلايم طريقة المصنف ولا شرط كتابه هذا مع شغل ذمة المحال عليه للمحيل أما الحوالة على البرئ على القول بجوازها فمشروطة به قولا واحدا وهو بالضمان أشبه وثانيها علم المحيل بقدر المال المحال به فلو أحاله بماله عليه من الدين مع جهله بمقداره لم يصح للغرور بما يحتمل الصحة ولزوم ما تقوم به البينة كالضمان وهو إنما يتجه على القول بكونها استيفاء دون القول بكونها اعتياضا إذ لا يصح على المجهول كما علم مما تقدم وثالثها ثبوته في ذمته ولو متزلزلا كما في الضمان مثليا كان أو قيميا خلافا لجماعة حيث منعوا من الحوالة بالقيمي لجهالته ورد بانضباطه بالوصف وانضباط قيمته تبعا له وهي الواجب فيه فالمانع مفقود وعموم الأدلة يشمله وفيه منع انضباط القيمي مطلقا بالوصف فالوجه تخصيص الجواز بما يصح السلم فيه إن لم يستلزم خرقا للاجماع المركب كما سبق نظيره وشرط لزومها ملأه المحال عليه وقت الحوالة أو العلم باعساره وإلا كان له الفسخ كما في الضمان وعن أبي عبد الله (ع) في الرجل يحيل على الرجل بدراهم أيرجع عليه قال لا يرجع عليه أبدا إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك واشترط بعضهم أيضا قبل البعض للمحتال معللا بأن القبول إنما يتم بذلك ورد بالمنع والمحال عليه ينتقل الحق إلى ذمته اجماعا ويبرء المحيل مطلقا فعن أبي الحسن (ع) في الرجل يحيل الرجل بمال على الصيرفي ثم يتغير حال الصيرفي أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي قال لا خلافا لمن اشترط ابرائه لحسنة زرارة عن أحدهما (ع) في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر فيقول له الذي احتال برئت من مالي عليك قال إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه وإن لم يبرأه فله أن يرجع على الذي أحاله وفيه احتمال كون الابراء في الحديث مجازا عن قبول الحوالة تعبيرا عن الملزوم باللازم باب الكفالة بكسر الفاء وتطلق تارة على ما يعم الضمان وأخرى على ما يقابله أعني تعهد النفس وهو المراد هنا وقوامها بالكافل ويقال الكفيل والمكفول له والمكفول عنه وشرطها أمور أربعة أحدها رضا الثلاثة أما الكفيل والمكفول له فبلا خلاف كالحوالة وأما المكفول عنه فهو هنا كالمحال عليه هناك في اشتراط رضاه احتياطا وأخذا باليقين إلا أن المشهور هنا العدم لوجوب الحضور عليه متى طلبه صاحب الحق بنفسه أو وكيله اجماعا والكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره باحضاره وغاية الكفالة هي حضور المكفول حيث يطلب واحتج المشترط بأنه إذا لم يأذن فيها أو يرض بها لم يلزمه الحضور مع الكفيل فلم يتمكن من احضاره فلا تصح كفالته لأنها كفالة بغير المقدور عليه وهذا بخلاف الضمان لامكان وفاء دينه من مال غيره بغير إذنه ولا يمكن أن ينوب عنه في الحضور ورد بالمنع من عدم لزوم الحضور معه وعلى اشتراط رضاه ليس على حد رضا الآخرين بل يكفي كيف اتفق كالمحال عليه وثانيها تعيين المكفول فلا يصح الترديد فيه كان يكفل أحد هذين بلا خلاف وفي المفاتيح ما يؤذن بالتوقف فيه وكذا تعيين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان إن كانت مؤجلا فلا تصح المبهمة اجماعا للغرر و لو سلمه قبله ففي المفاتيح أنه لا يجب القبول خلافا للشيخ فيما إذا انتفى الضرر وهل تصح الحالة قولان و الأصل مع الأول وثالثها كون الحق المكفول عمن عليه مما يصح ضمانه بأن يكون مالا ثابتا في الذمة ولو متزلزلا ولا يكون عقوبة على شئ من حقوق الله لأنها للتوثيق وهي مبتنية على التخفيف فقبل الثبوت ينبغي السعي في درئها ما أمكن وبعده يجب إقامتها من غير نظرة ساعة كما تقدم وفي الخبر المشهور لا كفالة في حد وفي اشتراط كونه مما يصح ضمانه غنى عن هذه التتمة وكأنه حاول التنبيه على كونه منصوصا بخصوصه إلا أن مقتضاه عدم جوازها في مثل دعوى القصاص و الزوجية ونحوهما وهو خلاف ما صرح به الجماعة وقرره عليهم في المفاتيح والنصوص خالية عن ذلك كله ورابعها عدم التعليق كما في الضمان والحوالة وغيرهما من العقود اللازمة ويجب على الكفيل احضار المكفول إن لم يحضر بنفسه إلى المكفول له وتسليمه إليه في المكان المعين في العقد وبلده مع الاطلاق من غير أن يكون ثمة مانع له من تسلمه من حبس أو كونه بحيث لا يتمكن من وضع يده عليه لقوة المكفول وضعف المكفول له ونحو ذلك مما يوجب النقص في التسليم ويصح ترامي الكفالات دون دورها لأن حضور المكفول الأول يوجب براءة كفيله وقطع الدعوى ثم إن سلمه الكفيل إلى المكفول له تسليما تاما كما ذكرنا أو سلم هو نفسه أو سلمه كفيل آخر من الفروع أو أجنبي متبرع أو مجعول له أو مات المكفول أو غاب غيبته منقطعة فقد برأ الكفيل من حق المكفول له سواء استبرء المكفول ذمته من حقه أم لا وإلا فإن أمكنه ذلك وامتنع حبس عليه المكفول له إن شاء أو الحاكم حتى يحضره ويسلمه فإذا أحضره وسلمه خلى سبيله هذا إذا كان المكفول حاضرا في البلد فإن كان غائبا غير منقطع الخبر أنظر الكفيل بعد الحلول والمطالبة بقدر الذهاب إليه والعود والإقامة في الطريق
(٢٥٧)