والزيارة بالوقت ويجوز التوفير عليه قليلا كما مر وينبغي أن لا يقص الرؤيا وهي ما يراه في المنام إلا على عالم يحسن التطبيق بين العوالم فإن الصور المرئية إنما هي من عالم المثال الذي أثبته المصنف وغيره من حكماء الاشراق تتفرع النفس لادراكها في المنام بسبب ما يسنح لها حينئذ من شوب تجرد وضعف تعلق بالمادة البدنية التي هي من عالم الأجسام الصرفة فتطلع على ما يناسب جوهرها وتكثر فيه همتها من الصور المنبثة في ذلك العالم ثم تتصرف فيها المتخيلة وتخترع صورا تناسبها ولو بالتضاد وتنتقل من الصورة المرئية إلى الصور المخترعة كما هو شأنها في عالم اليقظة وربما تزول الصورة الأصلية عن النفس وتنسى عند الانتباه ولا تبقى في الحافظة إلا بعض الصور المحكية فيحتاج المعبر إلى النظر في الصورة المحفوظة ومناسباتها والانتقال من كل منها إلى الأخرى متصاعدا إلى أن يقف على الصورة الأصلية إن لم يخطئها فالتعبير هو تطبيق المثال المحفوظ على الممثل وهو من المعلوم الحدسية التي يقل الحذق فيها إلا لمن وفقه الله وللخائضين في أسرار الشريعة المقدسة الناظرين في بطون الكتاب المجيد الذي فيه تبيان كل شئ منه حظ عظيم وربما تبقى الصورة الأصلية مخزونة في الحافظة سليمة من تصرفات المتخيلة وهي الرؤيا الصادقة المستغنية عن التعبير وورد أنها جزء من أجزاء النبوة أو يقل تصرفات المتخيلة فيها كما إذا كانت عند قرب الانتباه بحيث لا يكون في وقتها متسع لكثرة الانتقال والخروج عن تمام المناسبة فيسهل التعبير حينئذ وربما تتشوش الحافظة فتأخذ من كل صورة ضغثا وتخلط بينها على وجه لا ينتزع منها شئ محصل وهذا هو أضغاث الأحلام وتكثر أوائل النوم ولا سيما عند امتلاء المعدة بسبب ما يتصاعد إلى الدماغ من الأبخرة المشوشة للقوى الادراكية ومن ثم ورد أن أكذب الرؤيا ما كان أول الليل و أصدقها ما كان آخره كما مر في رواية أبي بصير وغيره ويقوى ذلك في مثل الشاعر والقصاص و الكذوب لاعتيادهم كثرة التخيل وسرعة الانتقال في الصور المخترعة التي لا حقيقة لها كما سبق من المصنف التنبيه عليه ثم إن المعبر إن أصاب في تعبيره فذاك وإلا فمهما عبر به من خير أو شر فلا يخلو عن تأثير ما في نفس الرائي من باب الفال وانخداع القوة الواهمة ولا سيما في النفوس العامية الضعيفة ومن ثم ورد النهي عن عرض الرؤيا إلا على ناصح سليم الصدر فعن النبي صلى الله عليه وآله لا تقص الرؤيا إلا على مؤمن خلا من الحسد والبغي ولا ينبغي للرائي أن يقص بكل ما رأى ولا سيما ما فيه إيذاء للناس وعزر أمير المؤمنين (ع) من قال لآخر احتلمت بأمك فإن رأى مكروها يتفل عن يساره ثلاثا وذلك بعد أن يتعوذ بقوله عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبيائه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت في ليلتي هذه أن يصيبني منه سوء أو شئ أكرهه وفي رواية أخرى من شر ما رأيت ومن شر الشيطان الرجيم ويتحول عن جنبه الذي كان نائما عليه ويذكر الله بالمأثور وهو إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ويعيد الاستعاذة ويرد المعبر إلى أحسن التأويل فورد أن رؤيا المؤمن ترف بين السماء والأرض على رأس صاحبها حتى يعبرها لنفسه أو يعبرها له مثله فإذا عبرت لزمت الأرض فلا تقصوا رؤياكم إلا على من يعقل وفي أخرى الرؤيا طاير إذا قص وقع باب التحية وما يناسبها وهي تفعلة من الحياة وأصلها قول أحد المتلاقيين للآخر حياك الله ثم استعملت في كل دعاء أول اللقاء ثم غلبت في الشرع في التسليم وورد أنه كانت تحية عن قبلكم السجود وتسليم اليهود الإشارة بالأصابع والنصارى بالأكف فأعطى الله عز وجل هذه الأمة السلام وهي تحية أهل الجنة وحقها أن يسلم على كل مسلم فإن الله يحب افشاء السلام ومن التواضع أن تسلم على من لقيت حتى الصبيان وهو من السنة ولا يختص بأول اللقاء بل يندب أول كل لقاء وإن لقيه مرارا سواء تخللتها غيبة أو حالت شجرة أو جدار أو أسطوانة بينهما وينبغي البداءة به قبل الكلام وعن النبي صلى الله عليه وآله من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه وأن يكون المسلم ناويا به تجديد عهد الاسلام فإنه من شعاره واستمالة القلوب وتطييب النفوس لئلا يؤذى في عرضه وماله وربما وجب على هذا الوجه وورد أن أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام وأن في السلام سبعين حسنة تسع وستون منها لمن كان مبتدئا به وواحدة للراد والأولى بالبدأة الداخل يسلم على من في المجلس والماشي على القاعد والراكب مطلقا على الماشي وراكب الفرس على راكب البغل وراكب البغل على راكب الحمار والصغير على الكبير والقليل على الكثير وورد عن النبي صلى الله عليه وآله إذا سلم واحد من القوم أجزأ عنهم وكذا عن أبي عبد الله (ع) وورد عنه مثل ذلك في الرد أيضا قال وإذا رد واحد أجزأ عنهم ويجب الرد فعن النبي صلى الله عليه وآله السلام تطوع والرد فريضة والمأثور في الابتداء تقديم المبتدأ معرفا ومنكرا واختلف في الأفضل والثاني أوجه والأول هو الأصل وفي الرد تأخيره معرفا مع العاطف وبدونه والأول أولى وقد قيل في وجه الترتيب فيهما رعاية الافتتاح والاختتام بذكر الله فيطابق قوله عز وجل هو الأول والآخر وورد الاكتفاء بالظرف مع العاطف والرد إما بالأحسن أو المثل مخيرا بينهما كما في ظاهر آية التحية وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها فورد أن أوفى القرآن للتخيير كما مر والأحسن أن يزيد الراد ما أمكن فإن اقتصر المسلم على قوله السلام عليك قال المجيب عليك السلام ورحمة الله فإن قاله المسلم زاد المجيب وبركاته فإن زاد المسلم لم يترك للمجيب فضلا فله الاكتفاء بقوله وعليك أو عليكم ولو كان المسلم ذميا ففي وجوب الرد عليه وجهان فإن رد اقتصر على ذلك مطلقا سواء زاد المسلم أم لا كذا جرت السنة المروية بالطريقين وعن أمير المؤمنين (ع) أنه يرد على أهل الكباير كما يرد على الذمي هذا كله في غير المصلي وأما المصلي فلا يبدأ بالسلام وفي كراهة التسليم عليه قولان
(٣١٩)