في معاء واحد فاللذة الحاصلة له من الخبز الكفت تنوب مناب لذة الإدام لغيره بل ربما تربو عليها وأما البواقي فمعلومة مما تقدم وقد قرع سمعك فيما سبق أن المقصود من مدح الجوع والاطراء في بيان فوائده ليس دعوة النفوس إلى الافراط فيه فإن إثمه أكبر من نفعه بل الغرض التوقيف على حد الاعتدال والتوسط الذي هو قوام جميع الأمور فإن كانت النفس المسترشدة متعودة له فلتستقم على صراطها المستقيم وطريقتها المثلى وإن كانت مفرطة بالتقليل بحيث يتضرر البدن وتضعف البنية ويخبط الدماغ ويقل نور البصر فليخرج عن ذلك قليلا ولتتناول من الطيبات من الرزق إلى أن تقف على سواء السبيل وهذا أقل وجودا ومن ثم لم يلتفت إليه المصنف و إن كانت مفرطة بالاكثار كما هو الأكثر فليعلل كما تعلل الدابة البطرة لا بنقلها دفعة من الكثير إلى القليل فيجحف بها ذلك بل يمكن التقليل بالتدريج بحيث لا يحس بالبدن فمن كان مأكله كل يوم على حسب عادته مدا أمكنه أن ينقص منه أولا مثقالا يومين أو ثلاثة ثم مثقالين وهكذا إلى أن يبلغ ما يحصل به القوام المطلوب فيثبت عليه وإن لم يطق التقليل بسبب ضعف في البنية أو طعن في السن أو اشتغال بعمل رياضي أو نحو ذلك فأجود التدبيرات الاقتصار على الأكل بعد صدق الشهوة ومن علامته أن تشتهي النفس الخبر ولا تطلب الإدام وأن يبصق فلا يقع عليه الذباب إذ لا دسومة فيه لخلو المعدة والكف عنه قبل تمام الشبع وهو الدواء الذي لا داء فيه كما يحكى عن أطباء اجتمعوا عند الرشيد وكانوا أربعة فسألهم يوما عن الدواء الذي لا داء فيه فقال أحدهم حب الرشاد الأبيض وقال هو الماء الفاتر وقال الثالث الإهليلج الأسود فقال الرابع وكان أعلمهم حب الرشاد برق المعدة والماء الفاتر يرخي المعدة والاهليلج يعفص المعدة قالوا فما عندك أن لا تأكل الطعام إلا وأنت تشتهيه وترفع يدك عنه وأنت تشتهيه فقالوا صدقت وورد أنهما من الخصال التي من لزمها لا يعتل إلا علة الموت باب الاعتكاف وهو في اللغة الاحتباس وشرعا حبس النفس على العبادة لله صائما ثلاثة أيام فصاعدا متتابعة على الأصح في مسجد جامع فهنا قيود أ حبس النفس وهو لا يصدق إلا بالعزم على الإقامة فلو اتفق لبثه في المسجد المدة المشروطة من دون قصد لم يكن اعتكافا والمراد منه استدامة اللبث في المعتكف بحيث لا يخرج منه إلا لحاجة لا بد منها ضرورة أو شرعا كالغائط والجمعة المقامة في غيره و الجنازة والعيادة وقضاء حاجة المؤمن وسائر حقوقه وإنما خص المذكورات بالذكر لأنها منصوصة بالخصوص فلو خرج لغيرها بطل ثم إذا خرج حيث يجوز له الخروج لا يجوز له أن يجلس لغير ضرورة وتتقدر الرخصة بقدرها كما في غيره وخصوصا تحت الظلال كما في رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) في الاعتكاف لا تخرج عن المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك وبه قيد جماعة والأجود الاطلاق كما في صحيحة الحلبي ثم لا يجلس حتى يرجع ومنهم من ضم إليه المشي تحته وهو مطالب بدليله وفي الصعود إلى سطح المسجد من داخله والخروج ببعض بدنه قولان وكذا الخلاف فيما لو أخرج كرها أو خرج سهوا والمصنف نفى البأس عن الجميع إلا إذا طال المكث في الأخيرين والأكثر على اطلاق الصحة ولا تجوز الصلاة خارج المعتكف إلا بمكة كما في صحيحتي عبد الله بن سنان ومنصور بن حازم أو الجمعة كما ذكر ب أن يكون المقصود التفرغ للعبادة من تلاوة القرآن والتنفل والتهجد وغير ذلك فلو قصد التخلص من الغريم أو أذى الأهل ونحو ذلك لم يكن معتكفا ويترتب على اعتبار التفرغ للعبادة وجوب اجتناب المنافيات من اللذات و غيرها وإن رخص في بعضها تخفيفا من الله ورحمة فما يجب أن يجتنب مباشرة النساء لقوله عز وجل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وهي تشمل الجماع ويبطل به اجماعا واللمس والتقبيل بالشهوة على خلاف في البطلان بهما وألحق بهما في التحريم الاستمناء والطيب وإن عد من السنن على وجه آخر ومنعه بعضهم والمماراة وهي محرمة في غير الاعتكاف أيضا وفيه آكد والبيع والشراء اجماعا وفي صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) المعتكف لا يشم الطيب ولا يلتذ بالريحان ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع ولا بأس بالنظر في معاشه والخوض في المباح لكن الأولى الاقتصار من ذلك على قدر الضرورة كما في المفاتيح ليندرج فيما لا بد منه المستثنى في الروايات وقيل يحرم ما يحرم على المحرم ومنع العلامة كل ما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش وزاد ابن إدريس جميع المباحات التي لا حاجة له إليها وصرح بأنها مبطلة له لمنافاتها جميعا لحقيقته والحكمة في شرعيته ج القربة واشتراطها ظاهر ويحتمل أن يكون الظرف لغوا صلة للعبادة بيانا للواقع إذ العبادة لا تكون إلا لله د الصوم فلا اعتكاف في زمان لا يصح فيه كالعيدين ولا ممن لا يصح منه كالحايض والنفساء ولا يعتبر ايقاعه لأجله بل يكفي وقوعه في أي صوم اتفق واجبا كان أو مندوبا بلا خلاف كما في المعتبر ه أن لا يكون أقل من ثلاثة أيام كما نقل عليه الاجماع ولا حد لأكثره وفي دخول الليالي أقوال ثالثها دخول الليلتين الأخيرتين دون الأولى واختاره في المفاتيح لأنه المتبادر من ثلاثة أيام وفي رواية عمر بن يزيد وغيرها لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام هذا خلف وأما خروج الليلة الأولى فلأن الليل لا يدخل في مسمى اليوم إلا بقرينة أو دليل من خارج وهما مختصان بالأخيرتين وأما دخول الليلة المستقبلة في مسمى اليوم فلا تنتهي الأيام الثلاثة إلا بدخول اليوم الرابع كما زعمه بعضهم فلا يعرف له وجه وأن يكون ذلك في مسجد جامع كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع وفي حسنته لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة وقيل لا يصح إلا في المساجد الثلاثة المذكورة ومسجد البصرة وبالجملة ما صلى فيه نبي أو وصي جماعة للاجماع وصحيحة
(١٧٤)