أو أعم منهما فهو أبلغ منها أو أبلغها ومن ثم يوصف (تع) بالجود دون السخاوة لأنه المبتدئ بالنعم قبل السئول بالذات وقيل إنهما مترادفان وعليه يحمل ما في بعض الأدعية المأثورة من وصفه سبحانه بها والكرم بأنه أبلغ أما في الواجب العرفي ففي الكم والكيف جميعا وأما في الشرعي ففي الكيف فقط إذ لا يعقل المبالغة في مقداره وقد اعتبره المصنف ثمة ضدا للشح المطاع وقيل بالترادف أيضا والايثار بأنه بذل مع الاحتياج إلى المبذول فهو أخص أيضا لأنه مرتبتها العالية حيث إن المؤثر يبذل لغيره ما يحتاج إليه نفسه وبإزائها في مراتب البخل مرتبة من يبخل على نفسه مع الحاجة فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوي ويشتهي الشهوة فلا يمنعه منها إلا البخل بالثمن ولو وجدها مجانا لأكلها لكنه خارج عن الرسم لأن بذل المحتاج إليه غير واجب شرعا ولا مروة فيتباينان أيضا وكيف كان فهو الأفضل فهو من ثلاث خصال يستكمل بها الايمان روى ذلك صاحب الاحياء مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يستكمل العبد الايمان حتى يكون فيه ثلاث خصال الانفاق من الاقتار والانصاف من نفسه وبذل السلام وفي حديث الوصية ثلاث من حقايق الايمان الانفاق من الاقتار وانصافك الناس من نفسك وبذل العلم للمتعلم وورد في معرض المدح ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة والمروي في شأن النزول أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكى إليه الجوع فبعث إلى بيوت أزواجه فقالوا ما عندنا إلا الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من لهذا الرجل الليلة فقال علي بن أبي طالب (ع) أنا له يا رسول الله وأتى فاطمة فقال لها ما عندك يا بنة رسول الله فقالت ما عندنا إلا قوت العشية لكنا نؤثر قوتنا ضيفنا فقال (ع) يا بنة محمد صلى الله عليه وآله نومي الصبية وأطفئ المصباح فلما أصبح علي (ع) غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يبرح حتى أنزل الله ويؤثرون الآية والتبذير بأنه بذل حيث يجب الامساك فالنسبة بينهما عموم من وجه وهو حرام فورد ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ومثله الاسراف وإن كان دونه وكلاهما من الفواحش لكن البخل أفحش منهما كما تقدمت الإشارة إليه والتسخي بأنه بذل مع الكراهة والتكلف كما علمت فيتباينان والمروة بأنها تنزيه النفس عن الدناءات التي لا تليق بأمثاله في الماليات وغيرها مثل ترك المضايقة بالمحقرات التي ليس من شأنها المضايقة فيها والأكل في الأسواق أو لبس الفقيه لباس الجندي ونحوها والداخل في السخاء واجبات القسم الأول لا غيره وهي تابعة للعادات الغالبة الجارية بين أمثاله و أكفائه فتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال في القابل والفاعل كالغني والفقير والقريب والأجنبي والجار والأهل والضيف والحي والميت والشريف والوضيع والعالم والجاهل والرخاء والشدة والخصب والجدب والحضر والسفر ونحوها فما يستقبح في أحدهم وفي بعض الأحوال ربما لا يستقبح في الآخر وفي الأحوال الأخر وللاعطاء أيضا آداب يأتي ذكرها في باب مفردة باب الرضا وهو غير المذكور في باب الفقر وفي باب ذمائم القلب والمراد هنا ترك الاعتراض باللسان والسخط بالقلب فيما يتعاور عليه من الأحوال المختلفة من قبل الله (تع) وهو من ملكات النفس المطمئنة ولا ينافيه تحصيل الأسباب المباحة الظاهرة التي ترتبط المسببات بها بتقدير الله ومشيته ارتباطا مطردا مثل السعي الجميل في طلب المطعوم والمشروب ومباشرة الأكل والشرب تخلصا من الجوع والعطش ولا الخفية مثل الدعاء والتوسل بالأرواح المقدسة لاستنزال الخيرات وكشف الشدائد ونحوها خلافا لبعضهم في الأخير استنادا إلى أن فيه رعاية لحظ النفس والراضي بمعزل عن ذلك وفيه أنه لا يعقل الفرق بين الدعاء وغيره من الأسباب فإن من جملة الأسباب في حصول المقاصد الطلب والتضرع كما في المشاهد فكما أن حمل الكوز وشرب الماء ليس مناقضا للرضا بقضاء الله في العطش بل مباشرة سبب رتبه مسبب الأسباب فكذلك الدعاء سبب شرعه الله وأمر به في قوله ادعوني ونحوه واستعمله من الأنبياء و الأولياء من يقطع بأن مرتبته فوق مقام الرضاء ومن فوايده خشوع القلب ورقة التضرع و صفاء الباطن وهو مفتاح الكشف وسبب تواتر مزايا اللطف وفي تركه رائحة من مقاومة القهر الإلهي كما تقدم نظيره وقد روي بعدة طرق معتبرة في تفسير قوله (تع) إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين إن العبادة هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء وأنه ما من شئ أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل ويطلب ما عنده وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل وعن أمير المؤمنين (ع) أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء وعن أبي عبد الله (ع) عليكم بالدعاء فإنكم لا تتقربون بمثله ومن وظائف الداعي أن يهمل حظ النفس بل يقصد امتثال أمر ربه والتأسي بأنبيائه وأوليائه وأنه لولا أمره (تع) لما اجترئ على التعرض لمخالفة قضائه وهذا غير خارج عن الرضا ومن علامته أنه إذا لم يجب لم يتألم من ذلك من حيث عدم إجابته لجواز أن يكون المدعو به مشتملا على مفسدة لا يعلمها إلا الله ومن ثم كان من تمام الأدب أن يقرنه بشرط الصلاح الشرعي سواء تلفظ به باللسان أو اكتفى باشتراطه قلبا وبما ذكرناه ظهر الوجه في تخصيص الدعاء بالذكر مع أنه من جملة الأسباب وجدواه في الحال فراغ القلب للعبادة فإن المتسخط مشغول القلب والراحة من الهموم المتعبة بتجاذبها والموطن نفسه على الرضا بكل ما يسنح في أمن منها وعن التورية يا ابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك وبدنك وأنت محمود وإن لم ترض به سلطت عليك الدنيا حتى تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا تنال إلا ما قدرت لك وأنت مذموم وفي المال رضوان الله (تع) كما قال سبحانه رضي الله عنهم ورضوا عنه وهو أحد الشرطين في النجاة من غضبه فقد قال سبحانه في الحديث القدسي من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربا سواي وفيه قدرت المقادير ودبرت التدبير وأحكمت الصنع فمن رضي فله الرضا مني حتى يلقاني ومن سخط فله السخط مني حتى يلقاني وعن السجاد (ع) الصبر والرضا عن الله رأس
(٦٥)