وربما تتركب مثنى وثلاث فصاعدا ويؤثر الخوف مطلقا في البدن بالهزالة في الجسم والصفرة في البشرة والضعف في القوى والرقة في القلب ومن علامتها سرعة البكاء إذا وعظ أو تلي عليه إنذار من الكتاب المجيد وإذا كمل جدا ربما يؤدي إلى الجنون لاختلال حجب الدماغ الحاملة للقوى العاقلة وقد يؤدي إلى الموت لانقطاع نياط القلب كما اتفق لهمام الذي حدثه أمير المؤمنين (ع) بعد ما اقترح عليه وهو شهادة فورد من خاف ومات من خوفه فهو شهيد لكن الفضل الأتم لمن عاش وجاهد فإن كل ما يراد لأمر فالمحمود منه ما يفضي إلى المراد وفائدة الخوف الحذر والورع والتقوى والمجاهدة وسائر الأسباب المقربة إلى الله (تع) وكل ذلك يستدعي الحياة وسلامة العقل وله بإزاء كل مجاهدة مع النفس أجر الشهادة ومن ثمة ورد أن أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله ومن غلب عليه خوف الله غلب خوفه على كل شئ وفي الحديث النبوي من خاف الله خافه كل شئ وعن أبي عبد الله (ع) من خاف الله أخاف الله منه كل شئ ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ وهو مما لا بد منه أيضا فهو الذي يزجر النفس عن المعصية فعلا وتركا وهو مما ينفى العجب عن الطاعة فإن الخائف غير مستعظم نفسه وخصالها وضده الأمن كما تقدم وهو خسر وفي التنزيل لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وفيه تنبيه على أن اليأس أفحش كما هو مقتضى الرحمة السابقة والطريق إليه النظر إلى صفاته (تع) الجلالية وأفعاله القاهرة فإن معرفتها موجبة للهيبة والحذر وفي الدعاء المأثور عجبا لمن عرفك كيف لا يخافك وعن أبي عبد الله (ع) من عرف الله خاف الله ومن ثم ورد قصره على أهلها في قوله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء وذكر الذنوب وتبعاتها والخصوم ومخاصمتهم في ديوان القيامة وشدة العذاب المستحق على ما اقترفه من الإثم وضعف النفس عن احتمال أيسره وما ورد فيه وفي طول زمانه المؤبد أو الممتد من الآيات والأخبار ثم الواجب على الخائف سلوك سبيل الحذر عما يفضي إلى المخوف من الأسباب المذكورة فإن خاف الموت قبل التوبة عن الذنوب بادر إليها وحذر التسويف ولا ينخدع بانتظار المكان الشريف والزمان الشريف فإنها من حبائل الشيطان وإن خاف استيلاء العادة عليه باتباع الشهوات واظب على تركها وفطم النفس عنها قبل أن تستحكم فيه داعية السوء مزيد استحكام وإن خاف اطلاعه (تع) عليه بما في سريرته من الذمايم الباطنة اشتغل بتنقية السر عنها بعلاجاتها الأهم فالأهم وإن خاف البطر بكثرة النعم ألزم نفسه الشكر والتواضع ومضادة كل ما يستشعره من نفسه من أقسام البطر وهكذا إلى بقية الأسباب والأفضل في الأغلب أن يعتدل الخوف مع الرجاء بحيث لا يرجح أحدهما على الآخر فعن أبي عبد الله (ع) في أعاجيب وصية لقمان لابنه خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال أبو عبد الله (ع) كان أبي يقول إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا وعنه (ع) الخوف رقيب القلب والرجاء شفيع النفس ومن كان بالله عارفا كان من الله خائفا وإليه راجيا وهما جناحا الايمان يطير بهما العبد المحقق إلى رضوان الله وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله ووعيده وربما يقوى أحدهما ويضعف الآخر في بعض الأحوال لعروض بعض الأسباب وقد يكون فيه الفضل كما سيأتي أما الانفكاك من أحدهما بالكلية فلا يجوز لأحد في حال من الأحوال إذ لو عدم أحدهما صار الحال أمنا إن كان المعدوم الخوف أو قنوطا إن كان الرجاء وكلاهما معدودان من الكباير كما عرفت والعمل على الرجاء أعلى منه على الخوف لأنه أفضل من حيث هو لأنه طريق المحبة ومشربه من بحر الرحمة واللطف بخلاف الخوف فإنه طريق العنت ومشربه من بحر الغضب والقهر وكذا يترجح الرجاء إذا امتنعت النفس الخائفة عن التوبة بسبب غلبة اليأس لكثرة المعاصي وفترت عن فضايل الأعمال واقتصرت على الفرايض فينبغي المعالجة بتحصيل الرجا وتقوية أسبابه استصلاحا للنفس الخارجة عن الاعتدال لتتحرك إلى التوبة وتتنشط للعبادة أو ضعف البدن عن العمل وأشرف على الموت فإن الأصلح حينئذ الرجاء أيضا وحسن الظن بالله ليموت على المحبة إذ الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقته وأسباب الخوف تقطع نياط قلبه وتعين على تعجيل موته وروح الرجاء يقوي قلبه ويحبب إليه ربه ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله ليكون محبا للقائه حتى يحب لقائه وربما يكون الأصلح بحال العبد الخوف وتقوية أسبابه وذلك أن غلب عليه التمني والاغترار واعتاد المعاصي وأخلد إلى الأمن كما هو الغالب فيما يشاهد من أبناء زماننا حتى صار الخوف مع غلبة أسبابه أعز من الكبريت الأحمر لا يوجد منه إلا اسم يتذاكر في المحاورات ولفظ لا يشم معناه رائحة من الوجود كالأعيان الثابتات فيحسن اطلاق القول فيهم بأن الخوف أفضل لأنه الأصلح بحالهم وحديث الرجاء معهم يجري مجرى تقريب العسل إلى المريض الصفراوي بل أبلغ فيهم من السم الناقع والسيف القاطع والأصلح في نفس الأمر التسوية والاعتدال لكنه لمن اتقى ظاهر الإثم وباطنه وهم الذين مدحهم الله بقوله يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين وقليل ما هم والأمر صعب بالله العياذ باب قصر الأمل وهو من منشعبات الزهد والمراد به أن لا يراد أمر مستقبل يشك في كونه إلا مقرونا بالاستثناء ويتأدى بذكر المشيئة على جهة التعليق عليها سواء أشكل على أدائه أم لا والأصل فيه قوله (تع) ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وقد ذم الله أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون وإنما يصدق بعقد القلب به رسوخه في البال سواء تلفظ به باللسان أو اكتفى بنيته والعلم به قلبا والمتلفظ به مع عدم رسوخه في نيته كالتارك له وإلى ذلك أشار القائل بقوله ترك استثناء مرادم قسوتيست ني همين كفتن كه عارض حالتيست أي بسانا ورده استثنا بكفت جان أو با جان استثنا ست جفت وورد في الحديث النبوي خطابا
(٧٠)