ذلك فقال إنما يكره في المسجد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس إلا للضرورة فإن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كما في رواية أبي البختري وروى إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد الله (ع) عن النوم في المسجد الحرام فقال هل بد للناس من أن يناموا في المسجد الحرام لا بأس به قلت الريح تخرج من الانسان قال لا بأس وبها استدل من ذهب إلى عدم كراهة خروج الريح فيه وفيه احتمال حملها على النائم غير بعيد والدخول فيها مع رائحة كريهة لفحوى قول أمير المؤمنين (ع) من أكل شيئا من هذه المؤذيات ريحها فلا يقربن المسجد والتبصق وورد أنه خطيئة وكفارتها دفنه وألحق به التنخم وعن النبي صلى الله عليه وآله إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذ انقبضت واجتمعت وكذا قتل القمل لما فيه من الاستقذار المنافي لتعظيم المسجد وأن يجعل طريقا بغير صلاة ولو ركعتي التحية في الحديث النبوي قال صاحب النهاية الرطانة بكسر الراء وفتحها والتراطن كلام لا يفهمه الجمهور وإنما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة والعرب يخص بها غالبا كلام العجم والوضوء فيها من البول والغايط لصحيحة رفاعة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الوضوء في المسجد فكرهه من البول والغايط وظاهر بعضهم التحريم ومنهم من حملها على الاستنجاء منهما وليس ببعيد ويحرم ادخال النجاسة فيها وكذا إزالتها لقوله صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم النجاسة إلا مع عدم التعدي إليها وإلى شئ من آلاتها كما خصه المتأخرون للاجماع على جواز دخول الصبيان فيها وكذا الحايض والمجنون اجتيازا مع عدم انفكاكهم غالبا عن النجاسة وفي حديث المستحاضة توضأت ودخلت المسجد وصلت وتجنيبها النجاسة يتحقق بعدم تعديها إليها فلا تتحقق المخالفة بادخال غير المتعدية وهو قوي إلا أن الاجتناب مطلقا كما عليه المتقدمون أحوط ويحرم دخولها جنبا أو حايضا أو نفساء ولو بغير نجاسة إلا اختيارا على كراهة فيه إلا في المسجدين الحرميين فيحرم مطلقا لاشتراطه بالطهارة عن الأحداث المذكورة وكذا وضع شئ فيها للثلاثة كما سبق في باب الغسل باب اللباس مصدر بمعنى المفعول كسماع أو كقتال بمعنى الفاعل أو المفعول لا بد من ستر العورة في الصلاة وهي في الرجل القبل والدبر والأنثيان أو من السرة إلى الركبة أو نصف الساق كما سبق ويجب شرطيا مع الاختيار فتبطل مع الاخلال به عمدا فإن أصاب ولو حشيشا أو وحلا على تردد فيه وإلا يومي برأسه إيماء عن الركوع والسجود قائما مطلقا عند جماعة وجالسا كذلك عند آخرين وقيل بل قائما إن لم يره أحد وجالسا إن رآه أحد وقد نطق بهذا التفصيل حديث ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يخرج عريانا فيدركه الصلاة قال يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا وهو أجود ما تلتئم به اطلاقات القيام والجلوس ومنهم من جمع بينهما بالتخيير وقيل في الجماعة يومئ الإمام خاصة و أما من خلفه فيركعون ويسجدون لموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في صلاة العراة يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه يومئ الإمام بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم وأما المرأة فالحرة البالغة كلها عورة سوى وجهها وكفيها وقدميها ظاهرا وباطنا وقيل ظاهر القدمين دون باطنهما فيجب ستر الباطن ومنهم من اقتصر في الاستثناء على الوجه والكفين وعلى الوجه فقط ومنهم من لم يستثن شيئا رأسا وجعل جميع جسدها واجب الستر وهو بإزاء من جعلها كالرجل وأن الذي يجب ستره منها هو ما يجب ستره منه لا غير والأمة والصبية تجوز لهما الصلاة مكشوفتي الرأس على المشهور بل نقل عليه اجماع العلماء إلا الحسن البصري فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو تسرى به المولى وتجتنب فيها وجوبا ملابسته جلد الميتة مطلقا سواء دبغ أو لم يدبغ وسواء كان ساترا للعورة أم لا اجماعا قيل وسواء كانت ذات نفس أم لا لاطلاق المنع ونظر فيه المصنف في الكتابين بانصراف الاطلاق إلى الفرد المتبادر وكذا غير الجلد من أجزائها إلا العشرة الفقيدة الحياة كما تقدم وكذا جلد ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات المذكاة دبغ أم لا وما لا تحله الحياة منها كالشعر والوبر على المشهور سوى وبر الخز الخالص اجماعا دون الممتزج بوبر الأرانب على المشهور بل نفى فيه الخلاف أيضا لكن لا فائدة مهمة في تحقيق ذلك إذ في حقيقته اشتباه لا يكاد يرتفع يقينا في هذه الأعصار ففي بعض الروايات أنه كلب يصاد من الماء فإذا فقده مات وأنه يكفي في تزكيته خروجه منه حيا كما في السمك والمنقول عن التجار المزاولين له أنه يعيش في البر وأنه ذو نفس سائلة فيشكل الحكم بالاكتفاء في تذكيته بما ذكر وحكى المحقق عن جماعة منهم أنه القندس وهو على ما في كتاب حياة الحيوان كلب الماء وهو من ذوات الشعر كالمعز وذوات الصوف كالضان وذوات الوبر كالإبل والمفهوم من كلام اللغويين و علماء الحيوان وتتبع مواقع استعمال لفظ الخز في منظوم البلغاء ومنثورهم أن الخز في الصدر السالف كان اسما للثوب المعمول من الوبر الناعم وهو ما يسمى الآن شال ترمه وربما يطلق على المعمول من الصوف والإبريسم وعلى المعمول من الإبريسم المحض وأن أنعم الأوبار المعمولة إذ ذاك كان وبر القندس فسمي باسمه ثم لما كثرت الأوبار المعزية في بلاد كرمان ما بين فارس والسند اتخذت الخزوز منها وتركت البحرية فليست مجهولة ولا مغيرة الاسم ولا موهومته كما قيل وقد سمعت بعض بوادي أهل الحجاز يسمون الترمة خزا أما السنجاب والثعلب فقد تعارضت فيهما الأخبار وإن كان المشهور الحاق السنجاب بالخز وربما يلحق الأخير أيضا على كراهة وكذا غير الملابس من شعر ما لا يؤكل لحمه كالشعرات الملقاة على الثوب والجواز قوي
(١٢٥)