عام يندرج فيه العبادات والرياضات الشرعية التي يخرج بها السالك المهاجر إلى الله عز وجل عن قرار طبعه أو جمعه ذهبه بالكسر وهو المطر اللين فالمراد رشحات المراحم الإلهية والألطاف الخفية الفائضة على سر العبد أحيانا وعليه فالمذهب يحتمل المصدر الميمي واسم الزمان والمكان وعلى الأول فالأخيرين خاصة ويطلق في الشرع على الطريقة التي يلتزمها العبد في الديانة وعلى الموضع الذي يقصد لقضاء الحاجة ومنه الحديث كان إذا أراد الغايط أبعد المذهب وكل ذلك مما ينبغي الاستتار به ووجهه معلوم مما تقدم وماج الحلاج في مقام الشطح ببعض ذلك فعوقب بما بلغك ولا يستحقر أحدا من الأحياء أو الأموات وإن كان منكر الظاهر فالعاقبة وهي ملاك الأمر مستورة فلعله يختم له بالصلاح وله بالسوء ولا يستعظم أحدا للدنيا فينظر إليه بعين التعظيم بما يرى عليه من زينتها فهي حقيرة عند الله وما فيها معرض للزوال ومهما عظم أهلها فقد عظمها ولا يتكبر على الفقير من حيث فقره وغناه بل يتكبر على المتكبر فإنه عبادة كما سلف ويجالس الفقير ويخالطه ويؤاكله فهي من السنة التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته والأنبياء السلف صلى الله عليه وآله حتى أنه صلى الله عليه وآله كان يدعو أن يحشره الله في زمرة المساكين وكان سليمان (ع) في ملكه إذا دخل المسجد فرأى مسكينا جلس إليه و قال مسكين جالس مسكينا دون الغني من حيث غناه فورد عن النبي صلى الله عليه وآله إياكم ومجالسة الموتى قيل و من الموتى قال الأغنياء وعنه صلى الله عليه وآله الجلوس مع الأغنياء يميت القلب وعن أبي جعفر (ع) لا تجالس الأغنياء فإن العبد يجالسهم وهو يرى أن لله عليه نعمة فما يقوم حتى لا يرى أن لله عليه نعمة وعن بعض السلف كنت أجالس الأغنياء فلم أزل مغموما كنت أرى ثوبا أحسن من ثوبي ودابة أفره من دابتي فجالست الفقراء واسترحت ودون حبيب العافية مثل أحباب هذا الزمان يتحببون إليك ما دمت في سعة وحسن حال فإن أصابك ضيق أو نكد أسلموك وشتموا بك وتقربوا إلى أعدائك بافشاء أسرارك وعيوبك ودون العامي الغير المتهذب فإنها مما تميت القلب أيضا وإذا ابتلى بها فأدبها أن لا يخوض في كلامه ويقل الاصغاء إلى أراجيفه ويتغافل عما يجري عليه من ركاكة ألفاظه وسوء أدبه وليحذر كل الحذر عن مجالسة السلطان فإنها كركوب الأسد بينا هو فرسه إذ هو فرسه وإذا ابتلي بها فأدبها أن يكثر الحذر عنه في القول والفعل والترك والهيئة وسائر الأحوال وإن أظهر المحبة فلا يا من شره ولا يعتمد على صحبته فإنه لا وفاء للملوك يتغيرون على ندمائهم بأهون سبب في أسرع حال ويذبحون أبنائهم بمجرد الظن والاحتمال ويرافقه مرافقة الطفل فيعلله بما يوافق هواه ويستميله إلى ما يصلحه ويصرفه عما يفسده بلطف ولين ويتكلم على حسب إرادته مع مراعاة المصلحة العامة والخاصة ما أمكن ولا يدخل بينه وبين أهل بيته وحشة فإنه مضر من أحدهما البتة ولو بعد حين ويبالغ في حفظ الأدب في محضره ومغيبه فإن الوشاة عليه كثيرون ويستعيذ بالله من شره عند الدخول إليه ومن المأثور فيه خيرك بين عينيك وشرك تحت قدميك وبالله أستعين عليك اكفنيه بما شئت فإنه لا حول ولا قوة إلا بك يقوله سبعا وعلى الملك إذا كان كريما الاحتمال والاغضاء عن المسيئين وقد كان الملوك الأوايل يتمدحون بالعفو و يتفاخرون بذلك في مكاتباتهم ومعارضتهم وقصصهم في ذلك مشهورة إلا في جرائم ثلاث كانوا يصرون في المؤاخذة عليها ولا يستحبون العفو عنها كشف السر وبه قتل السلطان العادل وزيره الحكيم أبا ذر جهر بعد أن استفتاه في عقاب من أفشى أسرار الملوك فأفتاه بالقتل و القدح في الملك فإنه يتضمن من شق العصا وتفريق الجماعة واذهاب الأموال والنفوس ما لا يسع العفو والتعرض للحرم بأي سوء كان فإنه لا يليق عنه الاغضاء للخلة فكيف للملوك ولا يصادق العامة بل يقلل المعارف ما أمكن فإن كثرتهم توجب تكاثر الحقوق عليه وتكاثر الأذى منهم لفساد أهل الزمان على العموم وأهل زماننا أفسد كما في الحديث النبوي لا يزال الدهر في سفال فإنهم لا يقيلون عثرة ولا يغفرون زلة ولا يسترون عورة ويحاسبون على النقير والقطمير ويحسدون على القليل والكثير ينتصفون ولا ينصفون ويؤاخذون على الخطأ والنسيان ولا يعفون ينطوون على الضغاين والذمائم ويفرقون بين الجماعات بالنمائم يقطعون بالظنون ويتغامزون وراءك بالفنون ويتربصون بك ريب المنون ومن ثم قال أمير المؤمنين (ع) لبعض المسترشدين أقلل معارفك قال ثم مه قال أنكر من عرفت منهم وفي حديث آخر أنه قام إليه (ع) رجل بالبصرة فقال أخبرنا عن الإخوان فقال الإخوان صنفان إخوان الثقة وإخوان المكاشرة فأما إخوان الثقة فهو كالكف والجناح والأهل والمال فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سره وأعنه وأظهر منه الحسن واعلم أيها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان وورد عن أبي عبد الله (ع) لا تفتش الناس فتبقى بلا صديق وفي حديث آخر خالطوا الناس بأعمالهم وزايلوهم بالقلوب وهو من حسن العشرة دون النفاق المذموم ولا يعتمد إلا على من جرب تحقيقا فوجد مستقيما على الإخاء في الأحوال المختلفة من اليسر والعسر والرضا و الغضب والعزل والولاية والسفر والحضر والمعاملة وغير ذلك وعن بعض المشايخ إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه ثم دس إليه من يسأله عنك وعن أسرارك فإن قال خيرا وكتم سرك فأصحبه وعن أبي عبد الله (ع) من غضب عليك ثلاث مرات فلم يقل فيك شرا فاتخذه لنفسك صديقا وأما الظواهر فلا تعويل عليها ولا على أهلها فلا يجد عند الحاجة جزءا واحدا من مائة ولا ألف جزء
(٣٣١)