قال بعضهم ولا الترتيب بين الأيام الفايتة فلو نوى تقديم آخرها جاز وكذا لا ترتيب بين أفراد الواجب كالقضاء والكفارة فله تقديم ما شاء منهما خلافا لبعضهم إذ منع من صوم النذر والكفارة لمن عليه قضاء شهر رمضان لوجوبه بأصل المشرع فهو أولى بالتقديم وهو كما ترى وللعلامة في المختلف تفصيل حسن وهو أن النذر إن كان معينا وجب تقديمه في أيامه وإن كان مطلقا أو كان الصوم عن كفارة فإن تضيق القضاء قدم وإلا تخير ولا يتطوع بالصوم من عليه صوم واجب من قضاء شهر رمضان حتى يقضيه ومنهم من أطلق المنع وهو خروج عن مورد النص بإزاء من أطلق الجواز ولو لم يتمكن من الواجب جاز قطعا كصوم شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة كما نبه عليه في الدروس ويستحب قضاء الثلاثة الأيام السنة إن فاتت من غير عذر مطلقا كما هو الظاهر والمنصوص السفر والمرض فإن لم يفعل مطلقا تصدق عن كل يوم بمد من طعام كما في صحيحة عيص بن القاسم وفي أخرى من قوت أهله الذي يقوتهم به أو درهم كما في رواية عقبة وغيرها إلا أنها جميعا ظاهرة في العاجز باب فوايد الجوع المنطوي عليها الصائم أوردها تنبيها على حكمة الشارع في التكليف به وهي كثيرة والمذكور منها عدة مترتبة بعضها على بعض منها وهو الأصل الأول صفاء القلب ورقته بتقليل دمه وذوبان شحمه فيصير كالمرأة المجلوة يلوح فيه جمال الحق كما سبق وقد تقدم عن المسيح صلوات الله عليه عوجوا لعل قلوبكم ترى ربكم وهو أحد الوجهين في قوله صلى الله عليه وآله للصائم فرحتان فرحة عند الافطار وفرحة عند لقاء الملك الجبار ومنها الاستلذاذ بالطاعة والمناجاة فكم من عمل يعتني به الانسان وذكر يجريه على اللسان مع حضور القلب ولكن لا يلتذ به القلب ولا يتأثر عنه حتى كان بينه وبينه حجابا من قساوة القلب وقد يرق في بعض الأحوال فيعظم تأثره بالذكر وتلذذه بالمناجاة وخلو المعدة هو السبب الأظهر فيه ومن ثم قال بعض السلف يجعل أحدهم بينه وبين الله مخلاة من الطعام ويريد أن يجد حلاوة المناجاة ومنها الانكسار المانع عن المعصية والغفلة عن الله فإن أقوى الأسباب فيهما طغيان النفس الأمارة وهي لا تذل بشئ كما تذل بالجوع فإذا ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقمة طعام فاتتها واظلمت عليه الدنيا بشربة ماء تأخرت عنها عرفت ذلها وعجزها وما لم تعرف ذلك من نفسها لا تعرف عزة مولاها وقهره فالانكسار باب من أبواب الجنة إذا فتح على الانسان أغلق عنه الباب الذي بإزائه من أبواب النيران ومنها ذكر جوع الفقراء ليحركه ذلك إلى صلتهم بالبر والاطعام فإن الشبعان في غفلة من حال الجائع وعطش العرصات وجوع الذين ليس لهم طعام إلا من الزقوم والضريع ولا شراب إلا من الحميم فإن تذكر عذاب الآخرة من أظهر الدواعي إلى الخوف وهو من المقامات العالية كما مر ومنها كسر شهوة الفرج المستولية بالشبع فإن كثرة الغذاء مكثرة للمني فإذا امتلأت أوعيته اقتضت الطبيعة دفعه وتفريغها وقامت الشهوة ولا علاج لذلك أنفع من الجوع فإنها تشتغل بما يحسه من ألمه عن الحركة لاخراج المني ويتحلل ما اجتمع في أوعيته منه بالقوة المحللة فتسكن الشهوة وتضعف ومن ثم ورد في الحديث النبوي وجاء أمتي الصوم ومنها دفع فضول النوم الذي يلزمه الشبع غالبا بنفسه أو لما يلزمه من كثرة شرب الماء وهو يكل الطبع ويبلد الذهن ويضيع العمر ويفوت القيام للاعتبار والتهجد ومن ثم كان يقول بعض المشايخ لمن على سفرته لا تأكلوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا ومنها يسر المواظبة على الطاعة سيما ما يشمل منها على الحركات الجسمانية لخفة البدن والفراغ عن الاهتمام في أمر المأكول بالتحصيل والاعداد بالاصلاح والنضج وغيرهما فإن أكثر أغذية الانسان صناعية ليست طبيعية لا بد فيها من أنواع العلاجات والتعملات وفي الخبر أن آدم (ع) لما هبط إلى الأرض عمل ألف عمل حتى صلح له قرصة من خبز وزاد على الألف واحد وهو أنه صبر إلى أن تبرد فيأكلها هذا كله قبل الأكل ونفس الأكل وما يتبعه من التبعات والطاوي إذا دخل المسجد ربما يلبث فيه زمانا مديدا مشتغلا بالعبادة ولا يحتاج إلى الخروج لشرب الماء أو إراقته والملآن بخلاف ذلك ودفع الأمراض الشاغلة عنها المهروب عنها بالذات أيضا ولولا الوصف لأمكن رفع الدفع فائدة أخرى والأمراض إنما تتولد غالبا من التخمة والامتلاء وهي أكثر أسباب الموت كما يشهد به العقل والنقل فورد في الحديث النبوي صوموا تصحوا وفي حديث أمير المؤمنين (ع) المعدة بيت كل داء والحمية رأس كل دواء واعط كل بدن ما عودته ومنها خفة المؤنة وسهولة الأمر فإن من تعود قلة الأكل أمكنه الاكتفاء بالقليل من المال والذي تعود الامتلاء صار بطنه غريما متقاضيا له فيحتاج إلى أن يدخل المداخل ويرتكب المشاق والأخطار للزيادات فطلب الزيادة يورث التعب والمذلة بالطمع مما في أيدي الناس وربما يتعسر من حلال فينجر إلى تحصيل الحرام والشبهة وعن بعض الحكماء إذا أردت أن استقرض من غيري لشهوة أو زيادة استقرضت من نفسي فتركت الزيادة ومنها امكان ايثار الفاضل عما يقيم به صلبه من الأطعمة على المساكين ليكون في ظله يوم القيامة كما جاء في الخبر أن المتصدقين يكونون في ظلال صدقاتهم وورد عن أبي عبد الله (ع) ما من شئ أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل وهي مورثة شيئين قسوة القلب وهيجان الشهوة والجوع أدام للمؤمن وغذاء للروح وطعام للقلب وصحة للبدن الحديث وإنما كان الجوع أداما للمؤمن لأنه إنما يأكل
(١٧٣)