والأوجه أنه حمل قول قابيل لأقتلك على مجرد التهديد والايعاد دون الحقيقة فقال ما قال على وجه الاستعطاف والاستمالة ودرء السيئة بالحسنة لا على وجه الاستسلام للقتل أو أنه إنما نفى عن نفسه إرادة القتل دون إرادة المدافعة ومن ثم قال ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ولم يقل لأدفعك على أن فعل هابيل لا يوجب حجة والتقرير غير ثابت وأما ما قيل من أنه إنما استسلم لأن الدفع لم يبح بعد أو تحريا لما هو الأفضل فقد مرت الإشارة إلى ما فيه أما المدافعة عن المال فلا يحكم فيها بالوجوب مطلقا كما في النفس والعرض إذ يتسامح فيه ما لا يتسامح فيهما بل بالتفصيل فإن كان مضطرا إليه أو كان لغيره أمانة في يده وإن قل وغلب على ظنه السلامة وجب لوجوب دفع الضرر وحفظ الأمانة وإلا فلا يجب وإن كثر وإن جاز مع ظنها بل يستفاد من بعض الأخبار رجحانه فورد في الحديث النبوي بعدة روايات من قتل دون ماله وفي بعضها مظلمته فهو شهيد لكن في حديث أبي عبد الله قيل أيقاتل أفضل أو لا يقاتل فقال إن لم يقاتل فلا بأس أما أنا لو كنت لم أقاتل وتركته وإنما يجب أو يجوز الدفع وتهدد الجناية ما دام اللص مقبلا لم يندفع فإذا ولى وضر به المدخول عليه كان ضامنا لما يجنيه لأنها إنما لمصلحة وقد زالت فلو قطع يده مقبلا ورجله مدبرا ضمن رجله وأهدرت يده ويجوز له بل ربما يجب زجر المطلع على داره بالنهي والتهديد فلو زجره وأصر فرماه بما جنى عليه كانت الجناية هدرا فعن أبي عبد الله (ع) أيما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر في عوراتهم فرموه ففقأوا عينه أو جرحوه فلا دية له وعنه (ع) اطلع رجل على النبي صلى الله عليه وآله من الجريد فقال له النبي صلى الله عليه وآله لو أعلم أنك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى أفقأ به عينك وفي رواية قلت نفعل نحن مثل هذا إن فعل مثله بنا قال إن خفي لك فافعله إلا أن يكون المطلع رحما لنسائه فيقتصر فيه على الزجر ويضمن لو رماه إلا أن يكون من النساء مجردة فإنه حينئذ كالأجنبي وورد في الحث على الأمر بالمعروف والتهديد على تركه ما ورد فعن أبي الحسن (ع) لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم وليستعملن أي يجعل عاملا حاكما وفي بعض نسخ الكافي والتهذيب ليستعلين وهو أوضح باب إقامة الحدود والتعزيرات وهي إما واجبة أو محرمة لا ثالث لهما وذلك بحسب حال المتصدي لها في الأهلية وعدمها وإنما تجب على الإمام المعصوم أو نايبه المنصوب بالنصب الخاص للحدود أو لما هو أعم منها وفي قصر الوجوب عليهما جواب عن شبهة من أوجب نصب الإمام على الرعية ركونا منه على أن إقامة الحدود واجبة على الناس وهي متوقفة على نصب الإمام فيجب عليهم من باب المقدمة وذلك أن وجوب إقامة الحدود على اجماله غير مقبول بل لا بد من بيان محله أعني من يجب عليه فإن كان هو الإمام فلا معنى لوجوب مقدمته على غيره وإن كان الرعية فلم يبق لهم حاجة إليه وأيضا كونها من الواجبات المطلقة التي يحكم بوجوب مقدماتها ممنوع لم لا يجوز أن تكون من الواجبات المقيدة كالحج والزكاة وأمثالهما فيكون وجوبها مختصا بالإمام أو نائبه اختصاص وجوب الحج بالمستطيع والزكاة بمالك النصاب وهذا هو الذي اعتمد عليه السيد في الشافي أما النايب العام وهو الناظر في الحلال والحرام العارف بالأحكام كما في حديث ابن حنظلة المتقدمة وهو المسمى في عرف الأخيرين بالفقيه والمجتهد والمراد به القادر على رد جميع الفروع أو أكثرها أو القدر المعتد به منها إلى الأصول الصحيحة كما سبق بعد تحصيله الايمان الخاص والرواية لحديثهم (ع) والعدالة ظاهرا وباطنا على خلاف في اشتراط الأخير ففيه قولان والذي اختاره المصنف (ره) مساواته للخاص في ذلك لأنه مأذون من قبلهم (ع) في أمثالها كالقضاء والافتاء وغيرهما ولاطلاق أدلة وجوبها وعدم دليل على توقفها على حضوره (ع) ويرد على الأول أن الإذن في أمثالها لا يقتضي الإذن فيها إلا بطريق القياس المردود وعلى الثاني ما مرت الإشارة إليه والأجود الاستدلال بحديث حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع) إقامة الحدود إلى من إليه الحكم وفيه أيضا ما فيه ويحتمل الفرق بين ما يبلغ النفس وما لا يبلغها وتخصيص الحظر بالأول والحق أنه أدرى بما له مما عليه فيحتاط هو لنفسه بالنظر إذا ابتلى بها في زمن الغيبة ويختار ما هو أدنى إلى اليقين ولو تعددوا وكفى واحد منهم سقط عن الباقين ويشترط في وجوبها عليهم قدرتهم عليها وأمنهم من الضرر على أنفسهم أو أحد من المسلمين كما في غيرها من الواجبات وليس يجوز لغير هؤلاء الثلاثة التعدي لها مطلقا ولبعض علمائنا رضوان الله عليهم قول في المسألة لا يعمل به إلا غير المحتاط وهو الجواز زمن الغيبة لغيرهم إذا كان زوجا للمحدود أي مستحق الحد دواما أو متعة مدخولا بها أو غيرها حرين أو عبدين أو بالتفريق أو والدا وإن علا أو مولى والظاهر أن مرادهم بالجواز الوجوب وسووا في ذلك بين الجلد والرجم والقطع مع العلم بموجبه بالمشاهدة أو الاقرار دون البينة فإنها من وظايف الحاكم وقيل يكفي كونها مما يثبت به ذلك عنده ومورد الروايات إنما هو الأخير لا غير ومن ثم اقتصر بعضهم عليه و أما الأولان فلم أقف على ما يدل عليه على مساواتهما له في ذلك والحكم به ليس بذلك المشهور وإن قال به القاضي والشهيد في اللمعة وشذاذ غيرهما وايراده في الكتاب خروج عن موضوعه وقد ذكرنا شرايط الحدود والتعزيرات وتقادير المقدرات منها في المقصد الأول من كتاب الطهارة فلا نعيدها ويجب على الحاكم والمراد من يتولي الإقامة الحدود أن يدرأها بالشبهات وهذا أيضا من المذكورات ثمة وإنما أعاده توطئة لما بعده فإذا أقر المكلف بنفسه بحد ولم يبينه أي حد هو
(٢٠٣)