الناس اغتابه ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته وهو أحوط ونحو ذلك من الغرض الصحيح المسوغة للغيبة التنبيه على الخطأ في المسائل العلمية لئلا يتبع وتكذيب النمام لاصلاح ذات البين وتسكين الفتنة فإن هذه كلها أسباب مبيحة لها فإن قلت فصارت الأنواع المباحة أكثر من المحظورة فلم لم يجعل الضابط في طرف الإباحة والاستثناء في طرف الخطر كما هو المطرد في نظايره قلت لأن الأفراد المحظورة أكثر وجودا في الخارج من الأفراد المباحة ومن ثم مال بعض المحققين إلى تفسيق من اغتاب مؤمنا بمجرد سماع الغيبة منه جريا على ما هو الغالب وأيضا النفوس مايلة إلى الرخص وجعل الضابط في جانب الرخصة تقوية لداعية السوء والاستثناء بعد ذلك مما لا يفي بتضعيفها فاقتضت الحكمة الابتداء بالمنع والتحذير والجام العوام حتى يكون هو المتقرر الراسخ في أذهانهم ثم بيان مواضع الرخصة بعد ذلك لوقوع الحاجة إليها أحيانا وهذا من رزانة الشريعة المقدسة صلوات الله على الصادع بها وعن القول بالظن الغير المستند إلى سبب شرعي سواء كان في الأصول أو الفروع الشرعية أو غيرها وقد ذم الله أقواما بمتابعتهم الظنون بل نفس الظن ربما يكون منهيا عنه كظن السوء بالمسلم وإن ظهر بعض مخائله فعن أمير المؤمنين (ع) ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير مجملا وعن أبي عبد الله (ع) إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء ولا عبرة بالخواطر وتحديثات النفس ولا الشكوك بل المحذور هو ما تغير به القلب عما كان عليه من المودة له والمصافات فنفر منه نفورا لم يعهده واستثقله وفتر عن اكرامه وتفقده ومهما أحس المؤمن بذلك من نفسه بادر إلى مراغمتها بالتزام زيادة المراعاة والدعاء بالخير وذكر المحامد افحاما للشيطان فورد أنه المهيج لذلك وفي التنزيل يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أي كونوا منه على جانب وتنكير الكثير لإفادة المعنى التبعيض المصرح به في قوله إن بعض الظن إثم أي ذنب يستحق به العقوبة وأما ما ورد من أن الحزم مساءة الظن وأن من خصال الأحمق الثقة بكل أحد وإذا رأيتم الرجل قد تخاضع في حركاته وتماوت في منطقه فرويدا لا يغرنكم ونحو ذلك فالظاهر أنها تحذيرات عن الافراط في حسن الظن مطلقا لا أمر بسوء الظن مطلقا كما سلف نظايره كثيرا وعن أمير المؤمنين (ع) إذ استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه جزية فقد ظلم وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله ثم أحسن رجل الظن برجل فقد غرر ومن ثمرات سوء الظن التجسس وهو الفحص عن عورات المؤمنين فهو هاتك الستر الذي أسدله الله على عباده حيث جبل الانسان على اخفاء قبائحه وأمره به و نهى غيره من الطلع إليها فورد في تتمة الآية ولا تجسسوا فإنه ينكشف به ما لو كان مستورا لكان أسلم في الدين والدنيا وعن النميمة وهو أنها كلام يقال في حق الغير إليه سواء كان بالقول أو الكتابة أو الايماء وسببه إما إرادة السوء بالمنهى عنه أو إظهار الحب بالمنهى للمنهي إليه أو التفرج بالحديث والخوض في الفضول وهو من افشاء السر فيشمله نواهيه مضافا إلى ما ورد فيه بالخصوص لتفاحشه جدا وهو المقتضي لافراده بالذكر فورد في الكتاب ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم وعن النبي صلى الله عليه وآله ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى قال المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرعاء العيب و عن التكلم مع كل من المتعاديين بما يوافقه من ثناء أو تصويب أو إظهار موافقة ونحو ذلك فهو نفاق فإن نقل مع ذلك كلام أحدهما إلى الآخر فهو منافق نمام وورد في النبوي وغيره من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار في الآخرة وفيه يجئ يوم القيامة ذو الوجهين والعا لسانه في قفاه وآخر من قدامه يلتهبان نارا حتى يلهبا جسده ثم يقال هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين و لسانين يعرف بذلك يوم القيامة وعن المدح وهو الثناء على النفوس الناقصة بالكمال فإنه يشتمل على الكذب وعلى إظهار الحب وقد لا يكون مضمرا له وهو النفاق وربما يكون الممدوح فاسقا وهو الأغلب وورد عن النبي صلى الله عليه وآله إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق وربما يحدث في الممدوح عجبا وينشأ منه الكبر والفتور عن الاستكال وورد أن رجلا مدح رجلا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ويحك قطعت غق صاحبك لو سمعها ما أفلح ومن ثم كان الأولى كراهة المدح واذلال المادح فورد عنه صلى الله عليه وآله احثوا في وجوه المداحين التراب وأما أصحاب النفوس الكاملة السليمة عن هذه الآفات فلا حرج في مدحهم بالصدق ولا في فرحهم بذلك كما كانت المدايح تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم ويصلون الشعراء ويمدحون بنعمة الله وعن الحلف بالبراءة من الله أو رسوله صلى الله عليه وآله أو الأئمة (ع) صادقا أم كاذبا كما مر في باب اليمين وورد في صحيحة الصفار أنه موجب للكفارة كما ذكرناه ثمة وعن السئول عن القدر وأسرار الربوبية وغوامض صفات الله ونحوه إذا لم يكن عن أهله فهو كسؤول ساسة الدواب عن أسرار الملوك سوء أدب يوجب العقوبة وكل كبيرة يرتكبها العامي فهو أسهل له وأقل ضررا عليه من أن يتكلم في العلم ولا سيما ما يتعلق بالله وصفاته وإنما شأن العوام الاشتغال بالعبادات والايمان المجمل بما ورد به القرآن والتسليم لما جاء به الرسل من غير بحث وكل من سأل عن علم غامض ولم يبلغ فهمه تلك المرتبة فهو بالإضافة إليه عامي تشمله هذه المذمة فهذه سبع عشر آفة من آفات اللسان ينبغي أن تحترز عنها وعن غير ذلك مما لا ينبغي وهي الكلمة الجامعة فيما لا يمكن حصره حتى قولك جاء رمضان وذهب رمضان ولعمرك ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ونحو ذلك من دقائق الخطأ في الكلام مما لا يسلم منه إلا المتهذبون بالعلم والصمت وبالجملة قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ففي الصمت خلوص عنها وفيه أي في حاله أو ملكته الوقار واجتماع الهمة والفراغ للعبادة من الفكر والذكر وغيرهما والسلامة من آفات الكلام وتبعاته
(٣٢٥)