الناس وفي انطباقه على ما هو بصدده من تعسر الاحتياط فيه خفاء ولو مثل به لما يلوث الباطن كان أظهر أو لأنه يكره فيه قضاؤه (تع) كشراء الحيوان للبيع أو الاكراء فإنه معرض لآفات كثيرة زيادة على غيره من الأموال أو يكره فيه سلامة الناس كبيع الأدوية أو حياتهم كبيع الأكفان فإنه يسره الوباء أو لأنه يؤذن بالضعة ومهانة النفس كالنداء والسقاية والسمسرة واكراء الدواب وهذا مما يختلف الحكم في بعض أنواعه باختلاف الأشخاص والأحوال في درجات المروة وغيرها ولا ينافي الحكم بكراهة هذه المكاسب وجوبها كفاية من حيث توقف النظام عليها لأنها مختصة بحال تأدى الفرض بقيام الغير بها أو لأنه يستبدل معه الدنيا بالآخرة ويفوت الثواب الجزيل بالحطام القليل كأخذ الأجرة على تعليم القرآن فورد أنه حظه يوم القيامة ومثله الأذان والإمامة والقضاء والشهادة بل كل عبادة بدنية محضة كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم وتعليم المعارف والشرايع وقراءة القرآن ونحو ذلك مطلقا و إنما خالف السياق تنصيصا على محل الكراهة عنده بالخصوص وهذا أحد الأقوال في المسألة وقيل بكراهة التكسب بها مطلقا وقيل بالتحريم كذلك وفصل بعضهم بالمنع في الواجب منها مطلقا أو العيني خاصة والجواز في غيره ومنهم من خص المنع بغير المحتاج وفصل آخرون بالشرط وعدمه إلى غير ذلك من الأقوال التي يقصر عنها الدليل والذي مال إليه في المفاتيح أن ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا لمنافاته الاخلاص نعم يجوز فيه الأخذ إن أعطى على وجه الاسترضاء أو الهدية أو الارتزاق من بيت المال ونحو ذلك من غير تشارط وأما ما لا يعتبر فيه ذلك بل يكون الغرض منه صدور الفعل على أي وجه اتفق فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط فيما له صورة العبادة فيكون مسقطا للعقاب عمن وجب عليه وإن لم يكن موجبا للثواب له وأما جواز الاستيجار للحج مع كونه من القسم الأول فلأنه إنما يجب بعد الاستيجار وفيه تغليب لجهة المالية فإنه إنما يأخذ المال ليصرفه في الطريق حتى يتمكن من الحج ولا فرق في صرف المال في الطريق بين أن يصدر من صاحب المال أو نائبه ثم إن النائب إذا وصل مكة وتمكن من الحج أمكنه التقرب به كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع أو تقول إن ذلك أيضا على سبيل الاسترضاء للتبرع أما الصلاة والصوم فلم يثبت جواز الاستيجار لهما هذا كلامه زيد اكرامه وهو كما ترى ويأتي للأخير تتمة في كتاب الجنائز والكسب سنة الأنبياء والأولياء وكان داود وسليمان بما اتهما الله (تع) من الملك لا يأكلان إلا من كسب أيديهما وكذلك يحيى وزكريا (ع) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وهو صغير في نفقة عمه أبي طالب فلما ترعرع أنف عن ذلك وكسب لنفسه واتجر ببضاعة خديجة إلى أن تزوجها وكان أمير المؤمنين (ع) يعمل بالبيل ويصلح المسناة ويغرس العذق بيده وقد روي من الطريقين أنه أعتق ألف مملوك من كد يمينه وكذلك أولاده المعصومون صلوات الله عليهم والنهي عن العطلة والفراغ والكسل والاتكال على معونة الناس بالسؤل أو غيره والتوبيخ على ذلك مستفيض عنهم عليهم السلام فورد في حديث أبي عبد الله (ع) أيعجز أحدكم أن يكون مثل النملة فإن النملة تجر إلى حجرها وفيه لا تكسل عن معيشتك فتكون كلا على غيرك وعن النبي صلى الله عليه وآله ملعون من ألقى كله على الناس وذلك أن الله (تع) خلق الانسان مدني الطبع لا يستقيم معاشه إلا باجتماع جماعة من أبناء النوع يتعاونون على تقويم مصالحهم الضرورية من علاج المساكن واستنباط المياه وزرع الحبوب وغرس الأشجار والحصاد والطحن والخبز واصلاح سائر الأقوات الصناعية والحياكة و الخياطة وتهيئة الآلات وغير ذلك مما لا يخفى ومن المعلوم أنه لا يستقل كل واحد من الأفراد بجميع ذلك بل لا بد من أن يشتغل بكل منها طائفة من الناس لينتظم أمر الجميع بالجميع فيكون قد كفى بعضهم بعضا فالزارع يعين الحايك بزرعه والحايك يعينه بحياكته وهما يعينان الخياط وهو يعينهما وهكذا فكل واحد منهم معين مستعين وينجبر دخوله في ذل الاستعانة بتلافيه بعز الإعانة والبطال الملقي كله على غيره مستعين لا معين يطعم ولا يطعم ومن ثم كان من أذل الناس وأبعدهم عن الخير لانسلاخه عن الفطرة الانسانية و قد ورد في ذم السؤال ما تقدمت الإشارة إليه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبايع المؤمنين على أن لا يسألوا الناس شيئا فكان أحدهم إذا سقط سوطه ينزل لتناوله ولا يسأل من بحضرته من المشاة أن يناوله وعن أبي عبد الله (ع) الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله وعن النبي صلى الله عليه وآله من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة وفي آخر أنه سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل فقيل أصابته الحاجة قال فما يصنع اليوم قيل في البيت يعبد ربه فقال من أين قوته قيل من عند بعض إخوانه فقال والله الذي يقوته أشد عبادة منه باب الآداب المهمة وهي أن ينوي به التعفف عن الناس والسعي على الأهل والتعطف على الجار ففي الصحيح عن أبي جعفر (ع) من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله عز وجل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر وإقامة فرض الكفاية في صناعات يتوقف عليها العيش كما مرت الإشارة إليه وأن يتفقه أولا فيما يريد أن يتوليه من العمل بتعلم مسائله وأحكامه ولو تقليدا ليعرف صحيحه من فاسده و في حديث أمير المؤمنين (ع) الفقه ثم المتجر وأن يجمل في الطلب ولا يحرص فيه كما سبق في النبوي المستفيض أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شئ من رزق الله أن تطلبوه بشئ من معصية الله وعن أبي عبد الله (ع) ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها ولكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف وتكسب ما لا بد للمؤمن منه وأن يحترز الطلب على وجوه مخصوصة فلا يشتغل به فيما بين الطلوعين لأنه وقت دعاء ومسألة وروي أنه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن النوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولا كل الليل فعن أبي عبد الله (ع) من بات ساهرا في كسب ولم يعط العين حظها من النوم فكسبه ذلك حرام وعنه (ع) الصناع إذا سهر والليل كله فهو سحت ولا يركب له البحر وإن ظن السلامة وفي النبوي وغيره ما أجمل في الطلب من ركب البحر وعن أبي جعفر (ع) أنه يضر بدينك ولا يتجر إلى أرض لا يستطيع أن يصلي إلا على الثلج فإن فعل فلا يعود
(٢٢٧)