متشوقة إلى التشبه والاقتداء بل إظهار المرائي للعبادة إذا لم يعلم أنه رياء فيه خير كثير للناس وإن كان شرا لنفسه فكم من مخلص كان سبب اخلاصه الاقتداء بمن هو مرائي عند الله ويحكى أنه كان يجتاز الانسان في سكك البصرة عند الصبح فيسمع أصوات المصلين بالقرآن من البيوت فصنف بعضهم كتابا في دقايق الرياء فتركوا ذلك وترك الناس الرغبة فيه فكانوا يقولون ليت ذلك الكتاب لم يصنف وفي الحديث إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم في الآخرة ومن وظيفة المظهر أن يراقب قلبه فإنه ربما يكون فيه حب الرياء الخفي فيدعوه إلى الاظهار بعذر الترغيب والاقتداء وإنما شهوته التجمل بالعمل ويعرف الصدق بأنه لو قدر اقتداء الناس بغيره واستواء أجر السر والاعلان لما رغب فيه وإن وجد من نفسه الرغبة عند عرض ذلك عليها فليعلمها كاذبة في الاعتذار وكذا يحمد كتمان المعاصي لا لأن يعتقد فيه الورع رياءا بل للتحامي عن الهتك المذموم عقلا أو لأن الستر مأمور به شرعا كما تقدم التنبيه عليه وفي الحديث النبوي من ابتلي بشئ من هذه القاذورات فليستره بستر الله فهتك الستر معصية ثانية تنضاف إلى الأولى واخفاؤها من قوة الايمان لكراهة الله ظهورها ويعرف الصدق فيه بكراهة ظهورها عن الغير أيضا على حد كراهته من نفسه أو لأنه إذا افتضحت مساويه لا تنفك الألسن أن تناله بالمذمة والوفيعة فيه وهو يتألم بالذم فإنه مؤلم للطبع كما أن الضرب مؤلم للبدن فيكتم ذنوبه ويكره الفضيحة حذرا أن يذم بها ويتألم بسببه و لا ضير في ذلك فهو مباح في نفسه لكونه جبليا وإن كان الخواص منخلعين عنه أو لأن الناس شهداؤه يوم القيامة كما ورد أن الناس شهداء بعضهم على بعض فيكره اطلاعهم على فضائحه حياء من شهادتهم عليه يوم يقوم الأشهاد أو لأن المذمة من لوازم الافتضاح كما ذكر والذام يصير عاصيا فيكره الافتضاح من حيث استلزامه معصية الذام لا من حيث استلزامه ذمه ويعرف الصدق فيه بتسوية ذمه وذم غيره في الكراهة ومقدارها لاستوائهما في المعصية كما سبق أو لخوف أن يقصد بسوء ممن يطلع على دخيلة ذنبه ومنه الحد والتعزير كما تقدم أو للحياء فهو كرم الطبع من الأخلاق الفاضلة لأن الملكة الموجبة لانكسار النفس إذا استشعر منها ما تلام عليه وفي حديث آدم (ع) أنه والدين من لوازم العقل وفي الحديث النبوي الحياء خير كله وفيه الحياء شعبة من الايمان وفيه الحياء لا يأتي إلا بالخير والفاسق الوقح الذي لا يستحي من ظهور فسقه وتسامح مع الناس به أسوء حالا وأعظم فتنة من المستحي المستتر به إلا أنه والرياء متشابهان والفرق بينهما عسر جدا وأكثر المرائين يزعمون أن الداعي إلى تحسينهم العبادات في المرائي إنما هو الحياء من الناس فيستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وأحسن فارق بينهما الوجدان السليم وقد علم من الرسم أن انكسار النفس عن مثل الوعظ والإمامة وسؤال العالم وتغليظ القول على الذين يتعاطون المنكرات ونحو ذلك مما لا ملامة فيه ليس من الحياء المحمود وإنما هو من ضعف القلب وقلة الاحتمال ويحمد ذلك في النساء والصبيان أو لأن لا يقتدي به الغير فإن النفوس متشوقة إلى التشبه كما مر سيما في الشهوات وسيما أتباعه المتطلعين إلى أحواله فإنهم لا يكتفون بما أتاه بل يزيدون ومن الأمثال المنظومة إذا كان رب البيت بالدف مولعا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص أو للتحامي عن انصراف القلوب عنه لاطلاعهم على باطن أمره من حيث حبه محبة الناس له لا للتوصل بذلك إلى معصية بل ليعلم منه محبة الله له فيفرح بفضل الله ورحمته كما أمر ويقوى رجاؤه فإن من أحبه (تع) جعله محبوبا في قلوبهم كما ورد لكنه لا ينعكس كليا لكونه موجبة كلية فلا يتم به الاستدلال باب الصدق وهو مطابقة الواقع في جميع الأحوال ويتعدد وجوهه بتعددها ومجامعه ستة ولفظ الصدق يطلق على كل منهما بالتشكيك ويقابله فيها جميعا الكذب وأدناه الصدق في القول وما يجري مجراه في كل حال من الرضا والغضب و العسر واليسر وغيرها سواء تعلق بالماضي أو الحال أو المستقبل وهو من أهم ما تجب المحافظة عليه فإن الكذب تضييع لأوضح الخواص الانسانية وهو النطق وابطال لفائدته ومن ثم ورد في الأمر بصدق الحديث ما ورد وكماله بأمرين أحدهما ترك المعاريض وهي جمع معراض كمفتاح الكلمات الموري فيها بالقصد إلى معنى غير ما يتبادر إلى الفهم من ظاهر اللفظ من غير ضرورة دينية أو دنيوية والمراد بها المصلحة الراجحة شرعا أو عقلا وإن لم تبلغ حد الاضطرار مثل تأديب الصبي وتهديد الغلام وفي الحديث أنه (ع) قال لبعض غلمانه والله لأن قصرت في العمل لأضربنك ضرب الحمار فقيل له وما ضرب الحمار قال ضربة خفيفة حد ما يستقيم على الجادة وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا توجه إلى غزو قوم ورى بغيرهم لئلا يبلغهم الخبر فليستعدوا والمعاريض في كلام أئمتنا صلى الله عليه وآله كثيرة وأغلبها لمصلحة التقية وعنهم (ع) أنه لن يستكمل المؤمن حتى يفهم معاريض كلامنا وأن الكلمة منا لتنصرف على سبعين وجها لنا في كل منها المخرج وربما يعد من المصلحة الراجحة تطييب قلوب الحاضرين بالمزاح كقوله صلى الله عليه وآله لن يدخل الجنة عجوز وقوله الذي في عينه بياض ونحو ذلك وبدونها لا يجوز قطعا حذرا من محذور الكذب وهو تفهيم الخلاف في المتكلم وكسب القلب صورة كاذبة في المخاطب وقد رخص في الكذب في الحرب والاصلاح ومع الأهل فعن أبي عبد الله (ع) كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة رجل كايد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا و يريد بذلك الاصلاح بينهما أو رجل وعد أهله شيئا وهو لا يريد أن يتم لهم ومع ذلك فليتحفظ على التورية من يحسنها كما في قول إبراهيم (ع) بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون وقول يوسف (ع) إنكم لسارقون أي سرقتم يوسف من أبيه وكانا يريدان الاصلاح كما ورد ويأتي لهذا تتمة في باب الكلام والآخر رعايته معه تعالى في الألفاظ التي يناجيه بها فمن قال وجهت وجهي لله والمتمكن في قلبه سواه أو قال إياك نعبد أو أنا عبدك وهو يعبد الدنيا فهو كاذب في دعوته إذ التوجه ليس إلا انصراف وجه القلب إلى
(٧٩)