عقار ولا راتب ولا يأخذ شيئا من الأيدي فإن الادخار الزايد لا يخرجه عن الزهد إلا أنه يخرجه عن التوكل ولا يخلو عن مخاطرة الانجرار إلى الأنس بالدنيا ومع ذلك فهو أولى من وجه من التفريق المحوج إلى الأخذ من الأيدي والسالك الحذر يتحفظ في كل مقام على ما يأمن به الآفة ولا يوسع على نفسه بعلة الضرورة والحاجة فإن حدودها متشابهة وقليل الدنيا يجر إلى كثيرها والنفس أمارة بالسوء تابعة للرخص والتسهيلات ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه فالأولى المبالغة في التشديد و التضييق على النفس وافحامها فيما يتسلل إليه بالخدايع تحاميا عن الأنس بالدنيا الموجب لحبها و طول الأمل وعن طول المكث للحساب وطول الحبس عن الجنة لتفريغه فإن الانتظار خمسمائة عام كما مر من أشد العذاب واللوم والتغيير بسبب الاختيار اللذات اليسيرة الفانية على السعادات الجليلة الدائمة والحرمان عن الدرجات العالية المعدة للزاهدين عوضا عما فاتهم من زهائد الدنيا المنغصة الملعونة فورد في الحديث النبوي الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الأمان لله منها والمستثنى فيه هو البلاغ المقاسم للملعونة في حديث حب الدنيا المتقدم باب السخاء وهو من منشعبات الزهد و ضده البخل من منشعبات الشح المطاع أو حب الدنيا وأجود ما يقال في رسمه أن يعطى أي يصرف ما يجب صرفه من الأعيان والمنافع في محله اللائق شرعا ومروة عن طيب نفسه ففيه قيود أ اعطاء الواجب فمانع الواجب ليس سخيا وإن تبرع بالنوافل سواء منع الواجب الشرعي كالذي يضن بالزكاة الواجبة ويبني المساجد أو العرفي كالذي يضايق في اليسير الذي لا يستقصى فيه ويتكرم بالعطايا و الصلات الجزيلة بل كلاهما بخيلان ومانع الواجب الشرعي أبخل إذ يستحق الذم والعقاب جميعا بخلاف مانع العرفي ب رعاية المحل فمن وضع زكاته في غير المستحق أو صرف بره ومروته عن أقاربه وجيرانه المحاويج إلى الأغنياء الذين لا تجمعه وإياهم رابطة لا يوصف بالسخاء المحمود بل هو مبذر ج أن يجمع بين الواجبين كما في الحديث النبوي ليس بالبخيل الذي يؤدي الزكاة المفروضة في ماله ويعطي النائبة في قومه فالمقتصر على أحدهما بخيل وربما يطلق السخاء على مجرد اعطاء الواجب الشرعي والبخل على منعه كما في حديث أبي عبد الله (ع) وسئل ما حد السخاء فقال تخرج من مالك الحق الذي أوجبه الله عليك فتضعه في موضعه وعن أبي الحسن (ع) البخيل من بخل بما افترض الله عليه إلا أن يعمم في الايجاب والافتراض د أن يكون ذلك عن طيب النفس فإن المعطي عن كراهة متسخي لا سخي كما سيأتي وجدواه أمور دينية ودنيوية وكلها راجعة إلى جلب منافع ودفع مضار إلا أنها في كلام المصنف مشوشة الترتيب وهي الابتلاء في حبه (تع) الباعث على امتثال أمره في أنفاق المال المحبوب وترك الدنيا فعن أبي عبد الله (ع) في حديث إنما وضعت الزكاة اختيارا للأغنياء وأن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ومعنى الابتلاء في أمثاله ظهور المراتب فيه في الخارج بحسب اختلاف الناس في الملكة الباطنة وتنقية الباطن عن ذميمة البخل فإن وجود أحد الضدين ينفي وجود الآخر وتحليته بالشكر فإن صرف النعمة في مصرفها اللائق من جملة الشكر كما يأتي وعن الرضا (ع) فيما كتبه لمحمد بن سنان أن اخراج الزكاة من أداء شكر نعم الله عز وجل وفي الصحيح عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع) هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا قال نعم قلت ما هو يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه الحديث والقرب من الله (تع) والناس والجنة فعن أبي الحسن (ع) السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة والبعد من النار فعن النبي (ص) أنه قال لبعض جلسائه ألا أخبرك بشئ يقرب من الله ويقرب من الجنة ويبعد من النار فقال بلى فقال عليك بالسخاء الحديث واستحقاق المحبة من الله فعن أبي جعفر (ع) شاب سخي مرهق للذنوب أحب إلى الله من شيخ عابد بخيل ومن أهل السماوات والأرضين فعن النبي صلى الله عليه وآله السخي محبب في السماوات محبب في الأرض والبخيل مبغض في السماوات مبغض في الأرض وتحصيل الأخوة بصيغة المصدر أو الجمع والأول أقرب لفظا والثاني معنى والفتوة بالكرامات اللائقة مثل الضيافة فإن الله يحب اطعام الطعام والهدية فإنها مفتاح المحبة والإعانة قرضا أو تبرعا ولو للأغنياء ودفع الغيبة والعداوة والهجاء ببذله للشعراء والسفهاء والطامعين وقطع ألسنتهم وتطييب نفوسهم به فإن خير المال ما صين به العرض وأفضل الفعال صيانة العرض بالمال وما وقى المسلم به عرضه يكتب له صدقة والاستخدام بالاستيجار وشراء الرقيق لتدبير أمور المعاش ونظم أسبابه التي لو تولتها الانسان بنفسه ضاق وقته واشتغل قلبه عن العبادات العلمية والعملية فلا بد له لتفريغ القلب والوقت في الجملة لأداء العبادة من أن يسخو بشئ من المال ببذله لأهل الخدمة عوضا عما يكفونه منها وابقاء الذكر الجميل وتحصيل بركة الدعاء الصالح والثواب الجزيل بعد الموت في أوقات متمادية في الخيرات العامة والصدقات الجارية نحو بناء المسجد والجسر والرباط ودار المرضى والمدرسة ووقف كتب العلم والحوض والبئر سيما في البراري المقفرة إلى غير ذلك مما لا يحصى أفراده ولا ثوابه وفي الحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يستغفر له أو ورقة علم ينتفع به من بعده أو صدقة جارية وحصول ملكة السخاء في النفس ربما يكون غريزيا موهبة من الله في النفوس المجبولة على الخير وربما يكون كسبيا لا يتأتى إلا بالعلاج والتحصيل ويحصل برفع المانع وإيجاد المقتضي والمانع إما من طرف التفريط أو من طرف الافراط وعلاج كل بقلع سببه فيرفع الأول بقلع أسباب الحرص هكذا فيما وجدناه من النسخ والصواب البخل لأنه المانع وإن كان بعض المعدودات من أسباب الحرص أيضا كحب عين المال لنفسه لا للتوصل به إلى مقصد فإن من الناس من معه من المال ما يعلم أنه يزيد على كفايته مدة عمره المديد إذا اقتصر على ما جرت عادته بنفقته أضعافا مضاعفة ولا تسمح نفسه باخراج الزكاة ولو علم أنه يموت غدا ولا بمداواة نفسه عند المرض بل صار محبا للمال عاشقا له يلتذ بوجوده في يده فيكنزه تحت الأرض وهو
(٦٣)