عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مسجدها قال لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة صلى فيه إمام عدل بصلاة جماعة ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة وفي المفاتيح منع الاجماع ودلالة الحديث فإن الإمام العدل لا يختص بالمعصوم كالشاهد العدل إلا أن يجعل ذكر هذه المساجد قرينة على إرادة المعصوم فيحمل على نفي الفضيلة ومنهم من بدل البصرة بالمداين ومنهم من جمعهما فخمس المحل ومنهم من جعل الضابط ما صلى فيه المعصوم جمعة وتظهر ثمرة الخلاف في المداين فإن المنقول أن الحسن (ع) صلى فيه جماعة لا جمعة وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم كذا في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) والمراد اشتراطه على ربه أولا وهو عند النية في المتبرع به والنذر في المنذور ومال في المفاتيح إلى جوازه فيه أيضا عند النية إذا كان مطلقا أن يخرج من الاعتكاف إن بدا له في ذلك بأن يقول اللهم حلني حيث حبستني فيخرج حينئذ متى شاء لعذر أو غيره وإن وجب مما سيأتي أو لم يكن ضرورة وفي اطلاق اشتراطه الخروج إن بدا له موافقة للشهيد في الدروس ومقتضى تشبيهه في الصحيحة وغيرها بشرط المحرم تقييده بالعارض كما في المفاتيح وهو أعم من الضرورة إذ معها يجوز الخروج مطلقا وإن لم يشترط وهو في الأصل مستحب ولا يجب إلا بالالتزام بالنذر وأخويه أو مضي يومين فيجب اليوم الثالث فيصير كالحج والعمرة لا يجوز قطعهما وإن كانا بالأصل مندوبين لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام وكذا صحيحة أبي عبيدة عنه (ع) من اعتكف ثلاثة أيام فهو اليوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أخر ومقتضاها وجوب كل ثالث كالسادس والتاسع فصاعدا وإليه ذهب كثير من الأصحاب ومنهم من جعل الثوالث كالأولين في عدم الوجوب بل له الرجوع متى شاء لأنه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع كالصلاة المندوبة وأما الحج والعمرة فقد خرجا بدليل والجواب منع الكبرى لقيام الدليل هنا أيضا وبإزائه من أوجبه بالدخول فيه مطلقا كالحج والعمرة وهو غير معلوم المستند فإن أبطل اعتكافه مع الوجوب بشئ من المبطلات المذكورة لزم القضاء القضاء مطلقا فإن كان بالجماع لزمه مع ذلك الكفارة المذكورة ليلا كان أو نهارا والواجب كفارة واحدة في غير نهار رمضان فإن جامع في نهار رمضان فكفارتان كفارة للاعتكاف وأخرى لصوم رمضان كما في رواية عبد الأعلى بن أعين وربما يلحق بنهار رمضان في ذلك قضاؤه و المعين بالنذر وشبهه ولو ليلا ولا يخلو من وجه وأما ايجاب الكفارتين في الواجب مطلقا فغير ظاهر الوجه وقد سبق أن منهم من أوجب الكفارة على المبطل مطلقا ولو بغير الجماع وهو مطالب بدليله وبعضهم أوجبها مع الندب أيضا ويدل عليه عمومات الكفارة في الاعتكاف من غير استفصال مع أنه ليس الأفراد النادرة فليؤخذ فيه باليقين وإن استضعفه المصنف في المفاتيح ويتأكد الاعتكاف في شهر رمضان وقد مر أن أفضل أوقاته العشر الأواخر منه و ورد في رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) لا اعتكاف إلا في العشر الأواخر من شهر رمضان وفي الحديث النبوي بطريق أهل البيت (ع) اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين و عمرتين وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعتكف العشر الأواخر إلى أن قبض كتاب الحج بسم الله الرحمن الرحيم الحج في اللغة القصد وشرعا اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة ويندرج فيه العمرة على وجه وعن الرضا (ع) إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله وطلب الزيارة والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل مع ما فيه من اخراج الأموال وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل والولد وحظر النفس عن اللذات شاخصا في الحر والبرد ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع ممن حج وممن لم يحج من بين تاجر وجالب وبايع ومشتر وكاسب ومسكين ومكار وغير ذلك و عن أبي عبد الله (ع) جعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا ولينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد ولتعرف آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وأخباره فيذكر ولا ينسى باب التعداد وهو ثلاثة أنواع باجماع العلماء تمتع وقران وافراد والتمتع أفضلها كما في صحيحتي زرارة وعبد الله بن سنان وغيرهما عن أبي عبد الله (ع) مؤكدا بالحلف وتتقدم عمرته على حجته وإنما أظهر في موضع الاضمار تنبيها على أنها ترتبط بها حتى كأنهما كالشئ الواحد وكل واحد منهما جزء من مجموعه ومع ذلك يتخلل بينهما التحلل الموجب لجواز التمتع أي التلذذ بما حظره الاحرام ومن ثم سمي به وتسمى عمرته العمرة المتمتع بها إلى الحج وأما ما سواها فعمرة مفردة لانفرادها عن الحج وما سوى التمتع افراد لانفراده عن العمرة فإن قرنه سياق الهدي خص باسم القران والتمتع فرض من نأى عن مكة ثمانية وأربعين ميلا فصاعدا من أي جهة كان وفاقا للأكثر كما في صحيحة زرارة وغيرها وفي رواية ثمانية عشر ميلا من كل جانب وهي شاذة وربما يجمع بينهما بالتخيير بين التمتع وغيره لمن نأى ثمانية عشر فصاعدا إلى أن يبلغ ثمانية وأربعين فيتعين التمتع وقيل اثنى عشر واعترف جماعة من المحققين منهم المصنف بعدم الوقوف له على مستند إلا توزيع المشهور على الجهات الأربع وهو ضعيف وليس لهؤلاء غير التمتع إلا مع الاضطرار كضيق الوقت وحصول الحيض ونحو ذلك والآخر إن فرض غيره من أهل مكة ونواحيها دون المسافة المذكورة تخييرا بينهما ولا يجوز لهم العدول إلى التمتع على المشهور إلا مع الاضطرار كخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم امكان تأخير العمرة إلى أن تطهر أو خوف عدو بعده أو فوت الرفقة فيجوز قولا واحدا ويتأخر عمرتهما عن الحج اجماعا كما قيل وفي رواية أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم قال
(١٧٥)