عليها وقال أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش اقلالا قال أبو حامد وليس الكوز والسفرة وما يحتاج إليه على الدوام في معنى ذلك فادخاره لا ينقص الدرجة وإنما ذلك في المأكول وكل مال زائد على قدر الضرورة وأما السبب الموهوم وهو ما يتوهم افضاؤه إلى المسبب من غير وثوق تام كالاستقصاء في التدبيرات الدقيقة في وجوه الاكتساب فمخرج بالكلية عنه وإن كان ظاهر الإباحة هذا تفصيل الحكم في مباشرة أسباب تجلب الرزق وفي معناه كل منفعة مطلوبة وكذا الكلام بعينه في مباشرة أسباب يدفع الضرر فلا ينافيه أن كان السبب مقطوعا به كالشرب لدفع العطش أو مظنونا كالحجامة لدفع الدم الفاسد والاسهال لدفع الأخلاط الفاسدة وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكتحل كل ليلة ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة وكالتحرز عن النوم في مكمن السباع وممر السيل وتحت الحايط المايل والسقف المنكسر فإن ذلك كله تغرير بالنفس وقد نهى الله عنه بقوله عز وجل ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فالاحتراز عنها لا ينافي التوكل وكأخذ السلاح للعدو كما قال سبحانه وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم وكالاستتار عنه كما أمر أمة موسى (ع) بقوله فاسر بعبادي ليلا فإن المسير بالليل اختفاء وكما استتر رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار عن عيون الأعداء وكعقل البعير كما أمر النبي صلى الله عليه وآله الأعرابي لما أهمل عقل ناقته وقال توكلت على الله فقال اعقلها وتوكل على الله وفي معناه غلق الباب واستيداع الأمين فكلها أسباب مظنونة لا يخرج مباشرتها عن التوكل بخلاف السبب الموهوم كالرقية بضم الراء وسكون القاف وهي ما يرقي به صاحب الآفة النازلة والمترقبة غير دعاء ولا قرآن وورد ما توكل من استرقى ويأتي فيه كلام في كتاب الجنائز وكذا الطيرة كعنبة وهي ما يتشاءم به من الفال الردي وقد كانت معمولة عند العرب في الجاهلية فأبطلها الاسلام و الأصل فيه أنهم كانوا إذا أرادوا غزو قوم عمدوا في طريقهم إلى ما يرون من أوكار الطيور فيزعجونها ويطيرونها عنها يتفألون بذلك لتفريق العدو والابعاد من المنزل أو أنها إن أخذت يمينا تيمنوا وذهبوا يمينا في الحاجة وإن أخذت شمالا تشأموا ورجعوا ثم استعمل هذا اللفظ في مطلق الفال سواء كان بإطارة الطيور عن أعشاشها أو بغير ذلك مما كانوا يتفألون به مثل نعب الغراب واقعاء الذئب واعتراض الصيد وغيرها ثم خص بالفأل الردي وقد تقدم أنها لا يسلم منه أحد وفي الحديث أن علاجها التوكل والمراد بها هنا الفال الجيد استدفاعا للآفة الواقعة أو المترقبة باب تطهير السر عما سوى الله من الأشغال الملوثة للباطن المعلومة مما سلف ومن ثم اقتصر على بيان التطهير عنها على الوجه الكلي وهو إنما يحصل بمحبة الله عز وجل وهي من ثمرات معرفته فورد عن أبي عبد الله (ع) حب الله إذا أضاء على سر عبد خلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله والمحب أخلص الناس سر الله وقال أمير المؤمنين (ع) حب الله نار لا يمر على شئ إلا احترق الحديث والمحبة أعظم المقامات الدينية إذ ما بعدها مقام إلا وهو ثمرة من ثمراتها كالشوق والأنس وأخواتهما ولا قبلها مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالزهد والصبر ونحوهما وألذ اللذات العقلية فإنها من مساوقات المعرفة التي لا يعرف فوقها لذة كما يأتي وأما لذتها في نفسها فمن الوجدانيات التي لا يؤمن بها إلا أهلها ويتعذر تعريفها بالبيان لغيرهم كما يتعذر تعريف لذة الوقاع للعنين بالوصف وأهم المهمات ففي الحديث النبوي بأسانيد متعددة وألفاظ متقاربة لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما والمحبة في الأصل هي ميل النفس إلى الشئ الموافق لها فإن النفس تميل إلى ما يوافقها كما يميل الصبي إلى الصبي والصالح إلى الصالح ولها في ادراكه لذة وكلما كان الشئ أوفق كان أحب والميل إليه أكثر والتذاذ النفس بادراكه أعظم ومن تتفاوت درجات المحبة والميل إلى الأشياء بحسب تفاوتها في مراتب الموافقة والالتذاذ الحاصل من ادراكها فالأدنى المطعم والملبس ونحوهما من المبتذلات وإن كانت أفرادها متفاوتة في ذلك تفاوتا فاحشا ثم المنكح ثم الجاه ثم العلم ويعرف هذا الترتيب المطابق لترتيبها في الوجود الخارجي بترك الأدنى واستحقاره عند وجدان إلا على فإن الصبي المشغوف بالمطاعم الطيبة إذا ظهرت فيه غريزة النكاح انصرف همه إليه وقيل التفاته إليها ثم إذا أدرك لذة الرياسة والسلطنة على القلوب أعرض عن الأولتين بحيث إنه ربما يذهل عن الأكل والاشتغال بالنساء أياما لاشتغال قلبه بتدبير أمور الرياسة واصلاح الجاه فإذا أدرك لذة العلم والمعرفة أعرض عن جميع ذلك واستطاب الجوع ومتاركة النساء ومقاساة الذل والخدمة والتملق في تحصيله وكلها ظفر بشئ منه ازداد شوقه إلى شئ آخر حتى يأتيه اليقين واستكراه البعض من الجهال العلم أنما هو للنقص المركوز فيهم المقصر بهم عن ادراك لذته لا لكونه مؤلما كريها في نفسه وهو كاستكراه المريض المطعم بسبب آفة مزاجه وانحرافه عن الاعتدال والصبي والعنين المنكح بسبب قصورهما عن ادراكه فلا يقدح ذلك فيما أطبق عليه العقلاء كافة من الحكم بكونهما موافقين لذيذين لأن المناط الطباع الكاملة السليمة وهي متوافقة على شرف العلم بقول مطلق فإنه من أخص صفات الربوبية وهي منتهى الكمال ومن ثمة يرتاح الطبع إذا أثنى عليه بالزكاء و غزارة العلم ويلتذ بذلك والذي ينسب إلى العلم ولو في شئ خسيس يفرح به والعالم بالشطرنج على خسته لا يطيق السكوت عنه إذا جرى ذكره ولو كان من علماء الدين الذين
(٨٣)