مما يظهرونه فإن مؤنة النطق خفيفة فيتساهلون فيها ويكلف عليهم العمل ولا بطمع رعاية الحقوق فإنه من الأطماع الكاذبة ولا مظفر بها وعن أبي عبد الله (ع) أنى لك بأخيك كله وأي الرجال المهذب وعنه (ع) ليس من الانصاف مطالبة الإخوان بالانصاف ولا ما في أيديهم فيستعجلون الذل ولا ينال الغرض وهما من التكليف ولا يعاتب من لم يقض حاجته وإلا لطال الأمر بكثرة العتاب لأنه الغالب في أكثر من ترفع إليهم الحاجات أو المراد أن المعاتب يصير عدوا فيطول الأمر في مقاساته أو استصلاحه ويحمد الله (تع) على تسخيرهم إن رأى منهم كرامة ولو كف أذية ويكلهم إلى الله (تع) وإن رأى منهم مكروها ولا يشتغل بمكافأتهم فيضيع وقته عبثا ويستعيذ بالله من شرهم ويتوقى عنه ما أمكن ويشارك في حقهم ويتغافل عن باطلهم ولا يصده الباطل عن الحق وفي حسنة زرارة أنه حضر أبو جعفر (ع) جنازة رجل من قريش وأنا معه وكان فيها عطاء فصرخت صارخة فقال عطاء لتسكتن أو لنرجعن فلم تسكت فرجع عطاء فقلت لأبي جعفر (ع) إن عطاء قد رجع فقال امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم ويحسب الكبير كالأب والصغير كالابن والمساوي كالأخ فيراعيهم مراعاتهم وهذه الجملة إما من تكرار النساخ أو الأولي لأولي الأرحام وهذه لمن عداهم ويبالغ في الاحتمال وإن كان مقتدرا على الانتقام ما لم يبلغ حد الانظلام المذموم وفي الاحسان إلى عموم الناس أهله وغير أهله ما لم يستلزم إساءة فإن لم يصب أهله فهو من أهله فورد اصنع المعروف إلى أهله وغير أهله فإن لم تصب أهله فأنت أهله والأصل في حقوق المعاشرة النصيحة وهي كما مضى أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه ولا يهجره فوق ثلاثة أيام فورد في النبوي أنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرها الذي يبدأ بالسلم وفي آخر السابق يسبق إلى الجنة ويستأذن للدخول في بيوت الغير حتى الوالدين كما سبق ثلاثا مستأنسا كما في الآية الكريمة من أنس الشئ إذا أبصره فإن المستأذن مستعلم للحال مستكشف عن أن يراد دخوله أو من الاستيناس الذي هو خلاف الاستيحاش فإنه مستوحش خائف أن لا يؤذن له وفسر الاستيناس بوقع النعل والتسليم على أهل البيت كما في حديث أبي عبد الله (ع) أو التسبيح والتحميد والتكبير والتنحنح يبلغهم صوته كما في النبوي ويمكث بعد كل من الاستئذانات هنيئة قدر أن يفرغ من نحو الأكل وقضاء الحاجة فورد عن النبي صلى الله عليه وآله الاستيذان ثلاث فالأولى يستضيئون أي يستكشفون من هرو لما جاء والثانية يستصلحون أي يهيئون فراشهم وثيابهم والثالثة يأذنون أو يردون وقد سبق أن الاستيذان إنما هو في البيوت دون الدور ولا يطلع على البيت من الروازن أو فرج الباب لانتفاء فائدة الاستيذان حينئذ وبدقة دقا لينا لا يوحش أهل البيت فإذا سئل من هذا يسمي نفسه ولا يقول إنا فورد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله من قال ذلك فأنكر عليه وقال أنا أنا يردده مرارا وهل لمخلوق أن يقول إنا ولا يا غلام لما فيه من الاستحقار بل ينادى المدعو باسمه إن علمه وإلا قال يا عبد الله ولا يدخل على الظلمة في منازلهم تحاميا عن استعمال دارهم بالكون فيها ومظلتهم بالاستظلال بها وفراشهم بالجلوس عليه فكلها شبهات غالبا وعما يستلزمه لقاؤهم من التواضع معهم في الكلام و المجلس وغيرهما والسكوت تقية أو مداهنة عن منكر لعله يراه عندهم وهو يعود على التقرير على المناكير والدعاء لهم بالبقاء ومن أحب بقائهم ولو ساعة فهو منهم كما في رواية صفوان وإذا رأى منهم كرامة واحسانا أدى ذلك إلى مدحهم بالكذب أو بما يوجب رسوخهم في باطلهم واغترارهم بأنفسهم لا سيما إذا كان المادح من أهل الدين والمحبة بهم وهو من أعظم الركون المنهي عنه في الآية الكريمة ومن أحب حجرا حشره الله معه ومما يترتب على استطلاع أحوالهم بل أحوال الأغنياء عموما كما سبق استحقار نعمه (تع) على نفسه برؤية التوسع عليهم بما لم يوسع عليه ومن ثم ورد في النبوي الأمر بالنظر في أحوال الدنيا إلى من دون ونهى عن النظر إلى من فوق قال فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم إلا لرعاية إطاعة الرعية إذا كان الداخل مرموقا إليه بحيث يكون في دخوله على السلطان مدخل في انقياد الناس له و مصلحة في نظام الكل أو المراد أن من حق السلطان على الرعية إطاعتهم له فإذا كان في الدخول عليه إقامة لذلك الحق فلا ضير وإعانة مؤمن بقضاء حاجته أو دفع شر عنه أو عن غيره من المؤمنين ويندرج فيه النهي عن المنكر وليس يشترط ذلك في كل دخلة بل الشرط أن يكون هي العلة الغائية فيجوز الدخول عليهم في سائر الأوقات صيانة للحشمة والمنزلة عندهم مهما كان لذلك مدخل في قضاء حوائج المؤمنين ودفع الشرور عنهم إذا سخت إلا أنه من مواضع الغرور وكثيرا ما يلتبس فيه الحق بالباطل والأولى الاجتناب عنهم فإن إثمهم أكبر من نفعهم وكذا عن خواصهم فإنهم بمنزلتهم في أكثر ما ذكر من المفاسد ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه والتغافل عن أحوالهم فإن التحديث بها والاستطلاع عليها مما يحرك النفس إليهم وينبغي أن يضطر الذمي إذا لقيه في الطريق إلى أضيق الطريق كما أمر به في النبوي ولا يبدأ بالسلام عليه فإنه تحية الاسلام كما سلف وورد جوازه على الطبيب النصراني عند الحاجة ولا يزيد في جوابه شيئا بل يوجز عن المثل يقول وعليك كما مر في باب التحية ويجوز أن يدعو له في تسميته عند العطاس بالهداية دون الرحمة فعن أبي موسى الأشعري كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وآله رجاء أن يقول يرحمكم الله فيقول يهديكم الله لكن روى ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع) أنه عطس عنده رجل نصراني فقال له القوم هداك الله فقال أبو عبد الله (ع) يرحمك الله فقالوا له أنه نصراني فقال لا يهديه الله حتى يرحمه ولا يرشده إلى معبده إذا استرشده إليه فإنه من التعاون على الإثم بل يشير به إلى طريق أبعد ولا يصافحه فإنها من حقوق الاسلام وورد النهي عنها بالخصوص وفي بعض الروايات مصافحته من وراء الثوب كما هو عادتهم ولا يستقبل جنازته بالوجه بل يأخذ عن يمينها أو شمالها كما
(٣٣٢)