فطنته حينئذ وعدم رسوخ الملكات السيئة فيه بعد وقد سبق أن قلب الحديث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شئ فبلته فليبادر بالأدب وورد في التنزيل قوا أنفسكم وأهليكم نارا وإنما تحصل وقاية الأهلين بما ذكر وفي الحديث اضرب خادمك في معصية الله واعف عنه فيما يأتي إليك وبه يجمع بين ما دل على الأمر بالتأديب والعفو ويحسن المعاشرة مع المرأة فإنها أسيرة وضعيفة خلقت من ضعف ويصبر على سوء خلقها فإنها كالضلع المعوج إن تركته انتفعت به وإن أقمته كسرته كما في النبوي وفيه من صبر على خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه الله ثواب الشاكرين ويبسط معها لعباته ومزاحا وهو من اللهو الحق الذي تحضره الملائكة ولا يدع مع ذلك الانقباض والترمت فتجترء عليه بل يداعبها في وقار أو المراد الانبساط وقت المداعبة والانقباض سائر الأوقات وقد مضى سائر أحكامها في كتاب النكاح ولا يطأ بقدمه حيوانا فإنه إن كان مؤذيا كالحية والعقرب فقد تعرض لأذاه وإن كان غير موذ كالذر والخنفساء كان ذلك إيذاء له وورد أنه يسأل عنه يوم القيامة ولا يضرب شيئا منها على الوجه للنهي عنه وعلل بأنها تسبح بحمد الله ولكل شئ حرمة وحرمة البهائم في وجوهها وورد النهي عن وسمها أيضا فيها وما ورد من الرخصة فيهما محمول على نفي التحريم ولا يعذب بالنار حتى المؤذيات مثل القمل والعقرب ونحوهما فورد لا يعذب بالنار إلا رب النار ويصلح ذات البين من المسلمين ولو بالكذب فهو من موارد جوازه كما سلف عن النبي صلى الله عليه وآله أفضل الصدقة اصلاح ذات البين وفي آخر ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال اصلاح ذات البين وسئل أبو عبد الله (ع) ما الاصلاح بين الناس قال تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعت منه ويستر العيوب على المسلمين كما يسترها على نفسه فورد في النبوي من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة وقد سبق نبذ فيه ويتقى مواضع التهم كما في المشهور مثل المرامزة مع زوجته في ظهر الطريق حيث يراه الناس ولا يعرفونها تحرزا عن سوء ظنهم به ووقوعهم في الغيبة وورد عن أمير المؤمنين (ع) من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن وربما يكون ذلك محمودا في بعض الأحوال لمن يريد اسقاط محله من القلوب حيث يرى ذلك أصلح لدينه وعليه يحمل ما يحكى عن بعض السلف من تعريض أنفسهم للتهم تخلصا عن آفات كثيرة لم يزوا محيصا عنها إلا بذلك فهو من ارتكاب أهون المفسدتين لأعظم المصلحتين مثل الكي وقطع العضو المؤف بالآفة المعدية ونحوهما مما يأمر به الطبيب طلبا لسلامة النفس كما مرت الإشارة إليه فيما مضى ويفرج عن المكروب وينصر المظلوم بماله أو جاهه أو لسانه أو بدنه فورد عن النبي صلى الله عليه وآله من فرج عن مغموم أو أعان مظلوما غفر الله له ثلاثا وسبعين مغفرة وفي آخر من أعان مؤمنا نفس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة واحدة في الدنيا واثنتين وسبعين عند كربه العظمى حيث تتشاغل الناس بأنفسهم ويسعى في حاجة أخيه فالمشي فيها ساعة من ليل أو نهار خير من اعتكاف شهرين وإن لم تقض كذا في النبوي ويعظه إذا رأى منه منكرا إن توقع منه القبول ورجى التأثير فإنه الشرط كما سبق قال الله (تع) فذكر إن نفعت الذكرى وإلا فلا يشتغل بتضييع الوقت وتعليق الدر على أعناق الخنازير بل ربما نشأ منه العداوة والضرر وحيث يعظ فليكن وعظه عرضا وأمثالا من غير تنصيص على الشخص إلا أن ينحصر التأثير فيه ويعين الضعيف مطلقا ولا سيما المستعين بل صاحب الحاجة مطلقا فعن أبي عبد الله (ع) في حديث إما أنك إن تعين أخاك المسلم أحب إلي من طواف أسبوع بالبيت أن رجلا أتى الحسن بن علي فقال أعني على قضاء حاجة فانتعل وقام معه فمر على الحسين وهو قائم يصلي وقال أين كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك قال قد فعلت فذكر أنه معتكف فقال أما أنه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا ويعين المحسن في احسانه من باب التعاون على البر والتقوى ليشركه في أجره ويحب التائب لأنه حبيب الله ويستغفر للمذنب ولا سيما الميت وإن كان ذنبه إليه فورد أنه يؤجر بسببه فلا يوزر بسببه وفي رواية الاستغفار للمذنب صدقة ويفرح به الميت كما يفرح الحي بالهدية كما يأتي وفي النبوي من من حق المسلمين عليك أن تعين محسنهم وأن تحب تائبهم وأن تستغفر لمذنبهم ويعامل كلا من الأصحاب على حسب حاله الغالب حذرا عن النفرة ووضع الشئ في غير موضعه فعرض الفقه لأهل اللهو وعرض البيان والبلاغة لثقيل اللسان إيذاء للنفسين أما العارض فلأن بلادة المخاطب عن المعنى مما يبلد المتكلم ويحوجه إلى تكرار البيان وتمهيد المقدمات وتصوير المعقولات بالصور المحسوسة وضرب الأمثال واجتهاد شديد في ذلك وأما المعروض عليه فلأنه في اصغائه إليه مكره نفسه على الالتفات إلى ما لا أنس لها به ويتعسر عليها فهمه فتتألم بذلك وكان بعض المشايخ يوصي تلامذته إذا جاءكم الأغنياء فسلوهم الأموال وإذا جاءكم العلماء فسلوهم عن الفقه والحلال والحرام وإذا جاءكم الفقراء فأطعموهم وينتصف الناس من نفسه في الكلام والحقوق فهو من ثلاث خصال يستكمل بها الايمان كما سلف في باب السخاء ولا يعلم أحدا مقدار ماله مطلقا وإن كان من الخواص وأهل البيت فإنه إن كان قليلا فالعلم بالقلة يورث الإهانة لأن الأغلب لا يعرفون الشرف إلا بالمال وإن كان كثيرا فالعلم بالكثرة يورث كثرة الطمع وعدم الرضا بالقدر المبذول وورد في وصايا الحكماء استر ذهبك وذهابك ومذهبك ومرادهم بالذهب الشئ النفيس جوهرا أو عرضا حتى أسرار العلوم والمعارف والذهاب إما مصدر ذهب والمراد به الخروج إلى طلب المقاصد على وجه
(٣٣٠)