المخاطب فإذا فرض في بعض المواضع ترتب مفسدة على الصدق وجب عرض إحديهما على الأخرى وملاحظة النسبة بينهما والأخذ بالأهون فيوري حينئذ إن أحسنها ويخلف إن لم تندفع الضرورة إلا به وتقع على نيته دون نية المحلوف له فورد في الخبر أن في المعاريض لمندوحة من الكذب أي سعة وفسحة وهو من الأخبار الجارية مجرى الأمثال وقد يقال إن أول من تكلم به عمران الحصين وقد سبق بيان ما رخص فيه من الكذب في باب الصدق وعن الغيبة بكسر الفاء وهي ذكرك أخاك المعين في غيبته بما يكره نسبته إليه من نقص موجود فيه والمراد بالذكر مطلق الاشعار سواء كان تصريحا بالقول أو الكتابة أو تعريضا كقوله أنا لست بزان حيث تدل القرائن على المراد أو غمزا بالعين أو الحاجب أو اليد كما في حديث عايشة دخلت علينا امرأة فلما ولت أو مات بيدي أي قصيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اغتبتيها أو محاكاة كان يمشي متعارجا كمشيته أو يتكلم متثاقلا كتكلمه فإن ذلك كله يجري مجرى التصريح بل بعضه أدخل في التصوير والتفهيم وبالمعين ما يشمل المبهم من محصور كقولك أحد هذين فاسق والمعين بالقرينة كقولك مر بنا اليوم رجل لئيم إذا كان يعلم المخاطب أنه لم يمر بك إلا زيد وبالغيبة ما يشمل حال النوم والغفلة و بالنقص ما يشمل نقص بدنه ونسبه وخلقه وفعله وقوله ودينه ودنياه حتى ثوبه وداره ودابته وزوجته واشتراط وجوده فيه احترازا عما لو انتقصه بما ليس موجودا فيه فإنه ليس غيبة بل بهتان كما ورد وأمر الغيبة شديد جدا فورد في النبوي الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الاسلام وزيد في بعضها كلها بذات محرم ولا ينافي ذلك ثبوت المؤاخذة والنكال العاجل على الزاني اهتماما بأمر الناموس دون المغتاب وذلك لأن المفسدة المترتبة على الزنا من حيث هو زنا جزئية حقيرة بالنسبة إلى ما يترتب على الغيبة فإنها مؤدية إلى التحاقد والتباغض واختلاف الكلمة وافتراق الجماعة وينشأ من ذلك ضروب الفتن المنجرة إلى سفك الدماء واستباحة الأموال والفروج ومن تأمل في قوانين الشريعة المقدسة انكشف له أن عناية الشارع بتوافق أبناء نوع الانسان ومسالمة قلوبهم واجتماع هممهم على أمر واجد شديدة جدا فإن ذلك مما يتوقف عليه عمارة الدارين والغيبة منافية له فمن ثم ورد فيها من التشديد ما ورد قال الله (تع) ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا وعن النبي صلى الله عليه وآله الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه وعن أمير المؤمنين (ع) إياك والغيبة فإنها أدام كلاب النار وعنه (ع) كذب من زعم أنه ولد حلال وإنه ليأكل لحوم الناس بالغيبة وقد تقدم في الربا ما ينفع في هذا الموضع وسببها الحقد والحسد وموافقة الأقران وخبث النفس وعلاجها تهذيب الأخلاق وقد تتسبب عن أمور أخر ويرخص فيها في عدة مواضع أحدها ما إذا ألقى الكلام على وجه الاجمال التام بحيث لا يفهم المعين كما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا كره من أحد شيئا قال ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا وكأن لا يعين والحق أنه ليس بغيبة لخروجه عن الرسم وثانيها في التظلم وهو شكاية المظلوم عن الظالم عند من يقدر بزعمه على الإنتصار له أخذا باليقين وإن كان ظاهر بعض العمومات الجواز عند غيره أيضا فورد في التنزيل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وعن النبي صلى الله عليه وآله إن لصاحب الحق مقالا وعنه صلى الله عليه وآله لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وثالثها الاستعانة على تغيير المنكر واصلاح المعاصي ولها صورتان آ الشهادة بما يوجب الحد والتعزير على من ارتكبه عند الحاكم فإن النبي والأئمة صلوات الله عليهم كانوا يقررون على شهود الحسبة كما هو مأثور عنهم (ع) ولم يرو عنهم المنع عنها وكذا شهادة الغصب والخيانة ونحوهما وكيف يجب الكف عنها وفي ذلك تفويت الحدود و الحقوق ب إن من الناس من يتحفظ على مروته أن تهتك وإن كان قليل المبالاة بالأوامر الشرعية فإذا بلغ أحدهم تسامع الناس بقبايحه أداه ذلك إلى الارعواء عنها ابقاء على حشمته بينهم ففي ذكره بالسوء رد له من الفساد إلى الصلاح وهذا غرض صحيح ولو علم أنه لا يرعوي إلا باطلاع والده أو أستاذه أو وليه مثلا لم يجز غيبته عند غيره لأنها إنما أبيحت للضرورة فيقتصر منها على قدر الحاجة ورابعها الاستفتاء كأن يقول للمفتي ظلمني شريكي فكيف طريقي في الخلاص فإن التعيين مباح بهذا القدر فلم تمنع هند ذاكرة لرسول الله صلى الله عليه وآله بخل زوجها أبي سفيان تستفتيه لأخذ ماله بغير علمه حيث قالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطني ما يكفيني إياي وولدي فأخذ من غير علمه فقال خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف والأولى التعريض كأن يقول ما تقول في رجل ظلمه شريكه أو زوجته وهو غير الأول وخامسها التحذير عند خوف سراية الفسق أو الضرر إلى الغير كما لو رأى متعلما يشتغل على مبتدع لحسن ظنه فيه فإن له أن ينبهه على بدعته حذرا أن تسري إليه ومنه نصح المستشير وجرح الشاهد والراوي كما وضع الأصحاب الكتب في ذلك وربما تجب هذه كبعض ما تقدم فورد في النبوي أترعوون عن ذكر الفاجر الذي لم يعرفه الناس اذكروا الفاجر بما فيه ليحذره الناس و المشهور جواز لاستقصاء في جرح المبتدع والراوي تأكيدا في الحذر عنهما دون المستشار فيه فإنه لو علم الانزجار عنه بمجرد قوله لا تفعل لم يجز الزيادة وكذا في الشاهد بل لو أمكن جرحه بالشركة مثلا لم يجز بالفسق وسادسها اشتهار المذكور باسم العيب كالأعمش والأعرج فإن الغالب عدم الكراهة حينئذ ويشترط أن لا يقصد مع تمييزه ذما أو احتقارا والعدول أولى ما وجد معدلا ولا سيما مع انتفاء القطع بانتفاء الكراهة وسابعها إظهاره الفسق بالاتيان به جهارا أو التحديث به بعد ذلك فيباح غيبته مطلقا فورد عن النبي صلى الله عليه وآله من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له وعن أبي عبد الله (ع) إذا جاهر الفسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة والنفي مصروف إلى الحكم دون الحقيقة ويحتمل قصر الرخصة على غيبته بما تظاهر به دون ما استتر فورد عن أبي الحسن (ع) من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه فما عرفه الناس لم يغتبه ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه
(٣٢٤)