التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٣٢٤
المخاطب فإذا فرض في بعض المواضع ترتب مفسدة على الصدق وجب عرض إحديهما على الأخرى وملاحظة النسبة بينهما والأخذ بالأهون فيوري حينئذ إن أحسنها ويخلف إن لم تندفع الضرورة إلا به وتقع على نيته دون نية المحلوف له فورد في الخبر أن في المعاريض لمندوحة من الكذب أي سعة وفسحة وهو من الأخبار الجارية مجرى الأمثال وقد يقال إن أول من تكلم به عمران الحصين وقد سبق بيان ما رخص فيه من الكذب في باب الصدق وعن الغيبة بكسر الفاء وهي ذكرك أخاك المعين في غيبته بما يكره نسبته إليه من نقص موجود فيه والمراد بالذكر مطلق الاشعار سواء كان تصريحا بالقول أو الكتابة أو تعريضا كقوله أنا لست بزان حيث تدل القرائن على المراد أو غمزا بالعين أو الحاجب أو اليد كما في حديث عايشة دخلت علينا امرأة فلما ولت أو مات بيدي أي قصيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اغتبتيها أو محاكاة كان يمشي متعارجا كمشيته أو يتكلم متثاقلا كتكلمه فإن ذلك كله يجري مجرى التصريح بل بعضه أدخل في التصوير والتفهيم وبالمعين ما يشمل المبهم من محصور كقولك أحد هذين فاسق والمعين بالقرينة كقولك مر بنا اليوم رجل لئيم إذا كان يعلم المخاطب أنه لم يمر بك إلا زيد وبالغيبة ما يشمل حال النوم والغفلة و بالنقص ما يشمل نقص بدنه ونسبه وخلقه وفعله وقوله ودينه ودنياه حتى ثوبه وداره ودابته وزوجته واشتراط وجوده فيه احترازا عما لو انتقصه بما ليس موجودا فيه فإنه ليس غيبة بل بهتان كما ورد وأمر الغيبة شديد جدا فورد في النبوي الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الاسلام وزيد في بعضها كلها بذات محرم ولا ينافي ذلك ثبوت المؤاخذة والنكال العاجل على الزاني اهتماما بأمر الناموس دون المغتاب وذلك لأن المفسدة المترتبة على الزنا من حيث هو زنا جزئية حقيرة بالنسبة إلى ما يترتب على الغيبة فإنها مؤدية إلى التحاقد والتباغض واختلاف الكلمة وافتراق الجماعة وينشأ من ذلك ضروب الفتن المنجرة إلى سفك الدماء واستباحة الأموال والفروج ومن تأمل في قوانين الشريعة المقدسة انكشف له أن عناية الشارع بتوافق أبناء نوع الانسان ومسالمة قلوبهم واجتماع هممهم على أمر واجد شديدة جدا فإن ذلك مما يتوقف عليه عمارة الدارين والغيبة منافية له فمن ثم ورد فيها من التشديد ما ورد قال الله (تع) ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا وعن النبي صلى الله عليه وآله الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه وعن أمير المؤمنين (ع) إياك والغيبة فإنها أدام كلاب النار وعنه (ع) كذب من زعم أنه ولد حلال وإنه ليأكل لحوم الناس بالغيبة وقد تقدم في الربا ما ينفع في هذا الموضع وسببها الحقد والحسد وموافقة الأقران وخبث النفس وعلاجها تهذيب الأخلاق وقد تتسبب عن أمور أخر ويرخص فيها في عدة مواضع أحدها ما إذا ألقى الكلام على وجه الاجمال التام بحيث لا يفهم المعين كما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا كره من أحد شيئا قال ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا وكأن لا يعين والحق أنه ليس بغيبة لخروجه عن الرسم وثانيها في التظلم وهو شكاية المظلوم عن الظالم عند من يقدر بزعمه على الإنتصار له أخذا باليقين وإن كان ظاهر بعض العمومات الجواز عند غيره أيضا فورد في التنزيل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وعن النبي صلى الله عليه وآله إن لصاحب الحق مقالا وعنه صلى الله عليه وآله لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وثالثها الاستعانة على تغيير المنكر واصلاح المعاصي ولها صورتان آ الشهادة بما يوجب الحد والتعزير على من ارتكبه عند الحاكم فإن النبي والأئمة صلوات الله عليهم كانوا يقررون على شهود الحسبة كما هو مأثور عنهم (ع) ولم يرو عنهم المنع عنها وكذا شهادة الغصب والخيانة ونحوهما وكيف يجب الكف عنها وفي ذلك تفويت الحدود و الحقوق ب إن من الناس من يتحفظ على مروته أن تهتك وإن كان قليل المبالاة بالأوامر الشرعية فإذا بلغ أحدهم تسامع الناس بقبايحه أداه ذلك إلى الارعواء عنها ابقاء على حشمته بينهم ففي ذكره بالسوء رد له من الفساد إلى الصلاح وهذا غرض صحيح ولو علم أنه لا يرعوي إلا باطلاع والده أو أستاذه أو وليه مثلا لم يجز غيبته عند غيره لأنها إنما أبيحت للضرورة فيقتصر منها على قدر الحاجة ورابعها الاستفتاء كأن يقول للمفتي ظلمني شريكي فكيف طريقي في الخلاص فإن التعيين مباح بهذا القدر فلم تمنع هند ذاكرة لرسول الله صلى الله عليه وآله بخل زوجها أبي سفيان تستفتيه لأخذ ماله بغير علمه حيث قالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطني ما يكفيني إياي وولدي فأخذ من غير علمه فقال خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف والأولى التعريض كأن يقول ما تقول في رجل ظلمه شريكه أو زوجته وهو غير الأول وخامسها التحذير عند خوف سراية الفسق أو الضرر إلى الغير كما لو رأى متعلما يشتغل على مبتدع لحسن ظنه فيه فإن له أن ينبهه على بدعته حذرا أن تسري إليه ومنه نصح المستشير وجرح الشاهد والراوي كما وضع الأصحاب الكتب في ذلك وربما تجب هذه كبعض ما تقدم فورد في النبوي أترعوون عن ذكر الفاجر الذي لم يعرفه الناس اذكروا الفاجر بما فيه ليحذره الناس و المشهور جواز لاستقصاء في جرح المبتدع والراوي تأكيدا في الحذر عنهما دون المستشار فيه فإنه لو علم الانزجار عنه بمجرد قوله لا تفعل لم يجز الزيادة وكذا في الشاهد بل لو أمكن جرحه بالشركة مثلا لم يجز بالفسق وسادسها اشتهار المذكور باسم العيب كالأعمش والأعرج فإن الغالب عدم الكراهة حينئذ ويشترط أن لا يقصد مع تمييزه ذما أو احتقارا والعدول أولى ما وجد معدلا ولا سيما مع انتفاء القطع بانتفاء الكراهة وسابعها إظهاره الفسق بالاتيان به جهارا أو التحديث به بعد ذلك فيباح غيبته مطلقا فورد عن النبي صلى الله عليه وآله من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له وعن أبي عبد الله (ع) إذا جاهر الفسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة والنفي مصروف إلى الحكم دون الحقيقة ويحتمل قصر الرخصة على غيبته بما تظاهر به دون ما استتر فورد عن أبي الحسن (ع) من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه فما عرفه الناس لم يغتبه ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360