يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة وينبت الشحناء في الصدور وفي آخر أنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب والناس في الإخاء على حدود أحدها الايثار كما سبق وهو أن يقدم حاجته في المال على حاجة نفسه فيجوع ليشبع أخوه كما يروى من حال بعض الصحابة أنه أهدي إليه رأس شاة وهو في غاية الضر فقال أخي فلان أحوج مني إليه فبعث به إليه وبعث به ذاك إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة بل وفي النفس أيضا فيتحمل المشاق لاستراحة أخيه كما قيل - إن أخاك الحر من يسعى معك - ومن يضر نفسه لينفعك - ومن إذا ريب منون صدعك - شتت شمل نفسه ليجمعك - بل ويتلقى الأخطار لسلامته كما فعله أمير المؤمنين (ع) لرسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الغار ويوم أحد وهو الأولى ثم دونه المواساة وهي التسوية بينه وبين نفسه فيشركه في نفسه حاله ويشاطره بماله وإليهما وقعت الإشارة في حديث الرضا عن أبي جعفر (ع) قال أرأيت فيمن قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه قال قلت لا قال فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزارا قال قلت لا فضرب بيده على فخذه ثم ما هؤلاء بإخوة ثم دونهما التأخير وهو أن ينزله منزلة عياله فيقوم بحاجته من فضول ماله وهو آخر المراتب فإن عدم هذا فلا إخاء بينهما في الواقع وإن لهجا بألفاظ ومخاطبات رسمية لا وقع لها في العقل والدين وورد عن النبي صلى الله عليه وآله ما من صاحب يصحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلا سئل عن صحبته هل أقام فيه حق الله أو أضاعه قاله حين دخل غيضة مع بعض أصحابه فاجتنيا منها مسواكين أحدهما معوج والآخر مستقيم وأعطى صلى الله عليه وآله أقوم المسواكين إلى المصاحب فامتنع من قبوله وقال أنت أحق به يا رسول الله وعن بعض السلف إذا كان لك أخ في الله فلا تعامله في أمور دنياك أراد به من في هذه المرتبة الرسمية وأما المرتبة العليا فهي التي وصف الله المؤمنين بها في قوله (تع) أمرهم شورى بينهم وقوله عز وجل ومما رزقناهم ينفقون أي ينفق كل واحد مما رزقنا كل واحد وإخوان الصفا من خيار السلف كانوا خلطاء في الأموال لا يميزون أملاكهم بعضها من بعض وعن السجاد (ع) أنه قال لرجل هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه وكيسه فيأخذ ما يريد من غير إذن قال لا قال لستم بإخوان وينبغي أن يظهر البشاشة في قضاء حاجته والسرور جبرا لخاطره فإن لصاحب الحاجة مقام ذل و يقبل المنة فإنما هي رحمة ساقها الله إليه ويبتدئ بها إذا علمها ولا يحوج إلى السئول فهو تقصير و معروفه حينئذ مكافأة لوجهه المبذول كما سلف وورد عن النبي صلى الله عليه وآله من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله وعن أبي جعفر (ع) أوحى الله عز وجل إلى موسى أن من عبادي من يتقرب إلي بالحسنة فأحكمه في الجنة فقال موسى يا رب وما تلك الحسنة فقال يمشي مع أخيه المؤمن في حاجته قضيت أو لم تقض ويودد إلى أخيه والصواب من باب التفعيل كما في النبوي وغيره التودد إلى الناس نصف العقل وينطق بوداده باللسان فورد أنه أثبت للمودة بينهما وليس هذا من الرياء المذموم وإن كان الحب في الله ويتفقد الأحوال ويسأل عن السوانح ويظهر المشاركة في السراء فيحمد الله على عافيته وتوسعة رزقه وحصول أمله وكذا الضراء فيتحزن لمصيبته ويستبطئ زمان مرضه ويتوجع لمسائته ونحو ذلك ويدعوه بأحب الأسماء إليه في غيبته وحضوره وورد تسميته في الغيبة وتكنيته في الحضور ويثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله ولا سيما عند من يؤثر هو الثناء عنده فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة وكذلك الثناء على أولاده وأهله وصنعته وعقله وخلقه وشعره وتصنيفه وسائر ما يفرح به صادقا في جميع ذلك مقتصدا من غير افراط وليكن ذلك في مغيبه دون محضره لكن بحيث يبلغ إليه فهو يؤكد المحبة أكثر من الثناء في المحضر لأنه قليل الواقع وينبهه على ما فيه من العيوب فورد في النبوي المؤمن مرآة المؤمن أي يرى منه ما لا يرى من نفسه فإنها ربما تكون مغفولا عنها بسبب محبة كل أحد لنفسه وحب الشئ يعمى ويصم فيحتاج إلى من يقبح القبيح في عينه ويحسن الحسن وهو من الحقوق اللازمة فإن من رأى تحت ذيل أخيه حية وهو لا يشعر بها فإنه يجب عليه بالعقل الصراح اعلامه وإنذاره وإلا كان ممن شرك في دمه متلطفا بالتعريض ثم التصريح من غير تعنيف يؤدي إلى الايحاش في الخلاء فإنه النصيحة والشفقة لا الملأ ففيه افضاح وتشييع الفاحشة وفيه وعيد بالعقاب يوم القيامة قال الله (تع) إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم فإن نجعت فيه النصيحة وتخلى من عيبه وعاد إلى الصلاح فهو المطلوب وإن بقي مصرا ففي البقاء على إخائه أو مقاطعته خلاف بين السالكين فقيل يبغضه من حيث أحبه فهو من مقتضيات الحب في الله والبغض في الله ولأنه لا يجوز مواخاته ابتداء فكذا استدامة وقيل بل لا يقطع الطمع عن صلاحه حينئذ لرجاء تأثير الصحبة الصالحة فيه فيما بعد فإن الأحوال تتبذل وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ومقتضى الحب في الله الاستمرار على حق الإخاء الثابت ومقتضى البغض في الله اجتناب مواخاته ابتداء دون الانقطاع عنه بعد سبق حقه فإن النسبة بينهما كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح فإن الطلاق أبغض إلى الله (تع) من ترك النكاح فظهر الفرق بين الابتداء والاستدامة هذا كله إذا كانت ذلته في حق نفسه دينه أو دنياه وأما لو كان في حق الأخ فالأولى أن يتجاهل عن تقصيره إلا إذا أدى التجاهل إلى استمراره عليه وكان الاستمرار مما يؤدي إلى القطع لثقله على القلب جدا فالأولى الاحتمال والاغضاء ما أمكن فالتعرض لذلك ليس من النصح في شئ ثم العتاب فإنه خير من القطيعة وليكن في السر فإنه أبقى للحياء والكتابة خير من القول والكناية من التصريح ثم التصريح بالكتابة ثم المشافهة
(٣٢٧)